حنين الذكريات


قد لا تكون الفرصة مواتية لكي نقول كل ما في دواخلنا للطرف الآخر، سواءً بالتعبير عن مشاعر الفرح بوجوده معنا، أو مشاعر عدم الرضا وعدم القبول، وربما لا يمهلنا الوقت لنعبر عن المشاعر، بل يفضحنا الوجه، ولا تبالي العيون في كشف عورات المشاعر وإظهارها للعلن، فصورة القلوب تكون هي الأساس، ويكون بوح العيون أسرع من حديث الشفاه.

الشعر والرسم بمختلف أشكالهم طريقة أخرى للتعبير عن المشاعر، فتجد أن أصدق الأبيات، وأجمل اللوحات هي التي تدغدغ لديك خفايا الشعور، لتتقمص الشخصية وتتذكر مواقف مشابهة، وتهيم في الذكريات، وكأن الكلمات لامست سر دفين ففضحته، لا تستطيع اخفائه عن الناس، بالنسبة لي في كل مره أسمع “في منتهى الرقة” أتذكر جملة من الذكريات التي لا تبارح شغاف القلب إلا وتنثر اساريره.

وأحياناً تأتي الأغنية بعد موقف، يخيل لك أن كلماتها تتشابه مع الموقف، أو تكتب سيناريو صادق لتفاصيل ذلك الموقف، وتستمر تحرك خوافي اللاشعور الذي لا يريد أن نترك اللحظة لتذهب في آخر سراديب الذكريات، تماماً كما فعلته معي أغنية خالد عبدالرحمن “ليلة”، والتي لم تبارح القلب حتى قرعت كل أبوابه، وبالرغم من أنها أغنية غير مشهورة إلا أنه في كل مره اسمعها تعيد شريط الذكريات، وتنتشله من أعمق أغوار القلب، لتتراقص الصور أمام ناظري معلنة عن أدق التفاصيل.

والأكثر إزعاجاً أن ترتبط ذكريات المكان أو الزمان، بأشخاص لا نريد تذكرهم، ذكراهم تزيد من عمق الجروح، وتعظم من حجم المشكلة، حتى لا نستطيع البقاء في المكان، لأنه يفجر مكامن الألم الذي عشناه، ويزيد من حجم المعاناة، فالقوى من يستطيع تجاوز هذه الآلام، وينطلق إلى مكان أرحب، ويدوس بقوة على مكامن الألم، ليصنع من هذه الذكريات انتصاراً من نوع آخر.

الحب ليس شيء بالسهل تجنبه، متى قرع الأبواب فتحت له بدون مقدمات، وتجاوز كل العقبات ليعمي العقول، ويزيد لوعة القلوب، فطعمه إما أن ترتوي منه حتى يقضي عليك كما فعل مع قيس، أو ترتشف سريعاً فلا يتملكك، وإنما تصبح قادراً على التغيير متى ما غادرت السكرة خدرها.

والأجمل أن تعرف كيف توازن مشاعرك، فلا تفضحك، ولا تنهكك، وتستطيع أن تبني من الذكريات قصوراً، تسعد بتذكرها، وتأنس للرجوع للعيش في كنفاتها، وتغادر محطاتها متى ما أردت، ولكنها تبقى تستثيرها الآهات، ويحركها الحنين، فلا تعلم متى ستغادر الذكرى ولا تعود.

همسة

كن محباً..

سجل أعجابك

Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.