علمنا التباعد

من كان يتوقع أننا سنمضي شهر رمضان المبارك ولا حاجة لنا في الخروج مساءً، أو التكدس في الأسواق، أو الشراء من المطاعم، أو أن تستمر مراكز التسوق في العمل إلى ساعات الفجر الأولى، كل هذا أصبح من الماضي، فالتباعد علمنا أننا نستطيع أن ننهي احتياجاتنا خلال ساعات النهار، وربما من التاسعة صباحاً إلى الخامسة عصراً.

عند زياراتي لبعض الدول كانت أغلب المحلات ومراكز التسوق تنهي أعمالها بين الخامس والسادسة عصراً، ولم يكن هناك حاجة لاستمرار العمل لفترات طويلة، وأيضاً هناك عدداً من المطاعم ومحلات التموين الغذائي والصيدليات يستمر عملها حسب الفئة والتصريح، بالإضافة إلى محلات أعمالها خاصة بالفترة المسائية، أو بالسهر على وجه العموم.

خلال فترة التباعد تعلمنا أننا نستطيع الاستغناء عن الخروج في ليالي رمضان، مع أنه في السنوات السابقة من غير الممكن عمل ذلك، فحياتنا كانت تنقلب رأساً على عقب، وكانت الأسواق ومحلات القهوة تكتظ بنا، لكن ومع التباعد اكتشفنا أننا ننعم بالخير في منازلنا، ونستطيع أن نتناول القهوة بإمكانيات المنزل، وبدون أن ندفع تكاليف إضافية، بل ويكون طعمها أكثر قهوة.

خلال فترة التباعد تأكدنا أن ثمان ساعات عمل لمراكز التسوق كافية، فلماذا كنا نبني ثقافة تسويقية على حساب ساعات عمل أطول، مع أن ثمان ساعات كفيلة بأن توطن كل الوظائف الموجودة في مراكز التسوق، وكفيلة ببناء بيئة عمل مثالية تكون جاذبة لأبنائنا.

في التباعد تعلمنا أهمية الأسرة، وأنها هي الأساس، وتعلمنا كيف نغفر الزلة لأفراد الأسرة، ونبتعد عن ما ينغص صفوها، ففي النهاية ما يصيبك سيصل إلى أسرتك، فعليك حمايتها بكل ما تملك، وأبتعد عن ما يضرها، فالأسرة هي اللبنة الأساسية التي يبنى عليها المجتمع، فكن لأسرتك حامياً ونصيراً.

في التباعد تعلمنا أن هناك وسائل أخرى للبر بالوالدين، وأن زيارتها في حالات المرض ليست من البر أبداً، وعندما يصيب والدينا أي شيء بسببنا فلن ينفع الندم، فالوالدين هم الركن الأول في الحياة، وهو السعادة، فلنضمن لسعادتنا وجنتنا أن لا يصيبهم أذى من خلالنا، سواءً بنقل مرض، أو بخذلانهم وعدم تحقيق أمانيهم، فهما يطمحان أن تكون أفضل البشر.

في التباعد تعلمنا أن هناك حياة أخرى مختلفة تماماً، نحن من يستطيع تصميمها وبنائها، ونحن القادرين عن يكون أساسها السعادة، ونحن من نستطيع بناء أركانها، فإما أن تكون جحيماً بتصرفاتنا، وإما أن تكون جنة بتغاضينا وتغافلانا عن زلات الأقرباء.

سجل أعجابك
Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.