حرية لا يعرفها جيل الإنترنت


في أيام المتوسط والثانوي كنا نشاهد في التلفاز فقط قناتين ومحليتين أيضاً، كان البث يبدأ عند الساعة العاشرة صباحاً، وينتهي عند الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، كان في البيت تلفاز واحد نجتمع عليه جميعاً، كان العراك على التلفاز محدود جداً مع عدم وجود اختيارات كثيرة للتنقل بين القنوات، مجبرين على القناة الأولى أو الثانية، وحتى عندما يكون هناك نقل تلفزيوني لمباراة على القناة الأولى ويأتي موعد الأخبار يطل علينا مذيع الربط سواءً كان جميل سمان أو غالب كامل أو غيرهما ليعلن أن بقية المباراة ستشاهدونها على القناة الثانية.

في الأيام التي لا تكون فيها مباريات أو تكون برامج القناتين غير ممتعة، كنت أجلس في غرفتي وأستمع للإذاعة طوال الليل، فكان البث الإذاعي على مدار الساعة، كنت أتنقل بين إذاعة البرنامج الثاني من جدة، وإذاعة الكويت، وغيرها، لم يكن الصوت نقياً ولكن كانت الحياة أجمل مع كل منغصاتها.

عندما كانت تأتي أغنية لعبدالحليم حافظ أو نجاة الصغيرة أو طلال مداح كنت أترك ما في يدي من مذاكرة أو غيرها وأستمتع بالنغم الأصيل، كانت البرامج الإذاعية هادفة مع كل الضوابط المفروضة عليها، وكنا نجد هامشاً للحرية في اختيار الإذاعة التي نريد، كنت أستمع لإذاعة لندن وإذاعة مونت كارلو، لم تكن تستهويني الأخبار، ولكن أمتلك حريتي أسمع ما أريد ولمن أريد، فلا صوت يفرض ماذا أسمع؟.

بساطة الأدوات التي كنا نستخدمها في سماع الإذاعات هي عامل إيجابي آخر، فقط أنت بحاجة إلى جهاز راديو، وحتى عندما تنقطع الكهرباء لا شيء يقطع حريتنا، فبساطة تشغيل الراديو على البطاريات كانت تتيح لنا نقله أينما ذهبنا.

كبرنا وصغر حجم الراديو، وزادت جودة استقباله، لا أحد يستطيع أن يصادر حريتنا في الاستماع، ولا أحد يستطيع أن يملي علينا وجهة نظره، ومع كل القيود المفروضة على المجتمع، كان الراديو هو المتنفس والحرية.

اليوم تنوعت الحريات لكن تبقى محصورة ومكلفة، فبمجرد حجب موقع في الإنترنت لن تستطيع تصفحه مره أخرى إلا بطرق ملتوية، أو إلغاء قناة فضائية من القمر الصناعي، أو اعتقال، كل هذا لم يكن يحدث مع المذياع، فهو قوي أمام كل وسائل القمع، وأمام كل طرق مصادرة الحريات.

لا أحد يستطيع أن يصادر حريتنا أو تعطيل الأثير علينا، نسمع ما نريد، صحيح أن المشاركة محدودة، لكن تبقى حرية النهل من مصادر متعددة، وعدم الركون إلى مصدر واحد هو الهدف والغاية، وهذه الحرية كنا نعرف قبل جيل الإنترنت، حرية منضبطة وممتعة.

والآن وعندما تنقطع بك الطرق ولا يكون هناك أي ارتباط بالإنترنت يبقى المذياع هو الوحيد القادر على الصمود، نعم إنها حريتنا، حرية لا يعرفها جيل اليوم، ولا يعلمون ما معناها، حرية لم ينازعنا عليها أحد، حرية تضاهي حرية الإنترنت بل تزيد عليها، حرية آسرة وممتعة تفوق كل المعاني.

قارئ واحد معجب بالتدوينة.

Share

انضم إلى المحادثة

تعليق واحد

  1. وسائل اعلامنا المحلية موجهة ولبعض الوقت مضللة ضبابية لذلك لانعجب من هجرها والأتجاة نحو اعلام حر لاتمارس عليه الإملاءات والتلقين المكرر…
    تقبل ودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.