بورصة المطاوعة..


مع أن شهر رمضان هو شهر الخير والبركة وقراءة القرآن إلا أنه يكثر فيه الإقبال على مشاهدة التلفاز، وهذا ما دفع أهل الفن إلى الإقبال عليه من أوسع أبوابة، حتى أن رمضان هذا العام أنتج فيه أكثر من 100 عمل فني، أغلبها إلم يكن جلها مسلسلات، وهذا ما جعل بورصة الممثلين تزدهر، حتى أني سمعت في وقت سابق ناصر القصبي عندما استضيف على قناة العربية وسأله المذيع “هل الفن يأكل عيش؟”، لتكون إجابة أبو راكان بالنفي لأن الفن كما يزعم “يأكل تورته (قاتوه)”، وهنا يظهر حجم الأرباح التي يقدمها الفن لأهله..

وعلى العكس من ذلك في التوجه نشأت بورصة أخرى، تنافس بورصة الممثلين في اقتسام كعكة رمضان، هذه البورصة هي بورصة “رجال العلم أو الدين”، بدأت على القنوات الحكومية ومن ثم غزت الفضاء بلا هوادة، وبدأت تنافس الممثلين على وقت الذروة، حتى أن أقل تقييم لـ “مطوع” يبلغ ثمن الحلقة الواحدة من برنامجه عشرة آلاف ريـال، أي بحسبة بسيطة وضرب هذا المبلغ بعدد أيام الشهر الفضيل ثلاثون يوماً يصبح إجمالي دخل رمضان لهذا “المطوع” 300 ألف ريـال، وهذا المبلغ والذي يسيل له اللعاب دفع أحد رجال الدين “المطاوعة” ليطلق على نفسه لقب “محترف”، ولا يقدم أي برنامج سواءً كان دعوي تلفزيوني أو إرشادي أو حتى محاضرة عامة بعيدة عن التلفاز إلا بعد الدفع.

الدعوة إلى الله تحولت من احتساب تعودنا عليه سابقاً، إلى دعوة بمقابل، فأحد “المطاوعة” والذي يقدم برنامجه على قناة متابعة من السعوديين بكثافة، يتشارك مع مذيع الحلقة والذي يملك شركة إنتاج مخصصة للإنتاج برنامجه فقط..

الغريب في الأمر أنه في الصيف يدقق “المطاوعة” كثيراً على المكان الذي تصور حلقات البرنامج فيه أو يمارسون في البلد الدعوة إلى الله، فلم أرى أحد منهم يختار تشاد أو النيجر كما كانوا يفعلون في السابق، وإنما اتجهوا إلى تركيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فهل الأجواء الباردة لها علاقة بإنجاح الدعوة إلى الله؟، وهل سكان تلك الدول هم من يستحقون الزيارة فقط.

أتساءل هنا هل صاحب البرنامج الذي يعرض وقت الإفطار على قناة شهيرة – لها نسبة مشاهدة عالية من السعوديين – لو لم يكن رجل أعمال ولديه شركة خاصة، هل سيقدم برنامجه للمشاهدين بحجة تطوير المسلمين؟!..

لا أدري ما الذي يحدد قيمة الحلقة التلفزيونية الدينية؟، ولا أعلم طبيعة التقييم المالي للحلاقات، ولكني أتساءل هل “المطوع” الوسيم يزيد سعره مقابل المطوع الغير وسيم؟، و “المطوع” الذي يجذب البنات لينادى بعبارة أحبك بالله، أعلى سعر من الذي لا ينادي بتلك العبارة إلا من رجال؟!، والمطوع الذي تعرض عليه الفتيات الزواج على الهواء مباشرة، أعلى سعراً من الذي لا يعرض عليه الزواج؟..

أعتقد أن هذه الأمور إن لم تكن مصادفة وليس “للمطاوعة” تدخل فيها، فهي عامل جذب إضافي “للمطوع” لتحقيقها جانب الإثارة في برنامجه التلفزيوني، إذا تناسينا الجانب الترويجي للحلقة، فإذا كنتم تذكرون معي قصة التصوير في القدس، والذي استمرت فيه الإثارة لمدة أسبوع كامل، ولم يحاول “المطوع” الذي يقدم البرنامج من تجنيب المجتمع اللغط في هذا الموضوع، وحل سوء الفهم الذي حدث، من خلال مداخلة أو عرض حلقة استثنائية قبل الحلقة الرئيسية لحل الإشكال، لأنه في النهاية هو الرابح من هذا اللغط، فهذا اللغط الذي استمر أسبوعاً وتدخلت فيه دول زاد نسبة المشاهدة للبرنامج، وفي اعتقادي أن هذا ما يريده كل معد أو مقدم برنامج، وإني أتقرب إلى الله تعالى بمقاطعة هذا “المطوع” أسوة بمقاطعة منتجات الدنمارك..

الممثلين والمطاوعة أصبحوا يمثلون وجهين لعملة واحدة، هدفهم اقتسام الجزء الأكبر من كعكة رمضان، والحصول على أكبر العوائد المالية منه، والاختلاف بينهم هو في طريقة العرض، ونوع الطرح فقط، فهل هذا يدل على أننا فقدنا النزاهة في المجتمع؟!..

هذا ما أحببت أن أحكيه لكم… فماذا لديكم لتحكوه لي؟..

سجل أعجابك

Share

انضم إلى المحادثة

8 تعليقات

  1. بإعتبار أنه شغلهم الوحيد يمكن من خلاله أن يسترزق ، لكن الأهم أن لا يكون على حساب القيم الأساسية ، وعن المبالغة في المطالب أمر بدأ ينتشر عند كل الفئات ممثلين لاعبين دعاة مدربين التنمية البشرية وغيرهم

  2. فيه شيء من المبالغة ..

    ثانياً أليس من الأفضل أن تذهب الأموال إلى أناس يدعمون الخير أفضل من السدحان وطقته ..

  3. أنا أتفق معك في كثير من كلامك
    وما تقوله انت نراه نحن ايضا
    لكن ليس جميع من أشرت اليهم في المقال كذلك

    شكرا لك

  4. الاخ محمد قرأت لاحد الكتاب يعنف من هو على شاكلته و يقول ان اتجاه المتديين الان خطير و ان ما يفعلونه الان جدا غير مناسب و ان طرقهم في جذب الناس اصبحت قويه و ينتهجون غير الطرق التي كان اسلافهم يقومون بها و هذا عين الخطر بالنسبه له و لاهوائه و ان برأيي الشخصي نقطة تحول جدا رائعه و في وقتها فاللهم بارك في دعاتنا و قهم شر انفسهم و شر الشيطان و اعوانه و اللهم بارك في محمد و زيد و راشد و غيرهم من الفضلاء و الدعاة الى الله بالكلمه الطيبة و الاسلوب الراقي اسال الله لهم دوام التوفيق لما يحب و يرضى و عذرا على الاطاله اخي ابا سطام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.