وانتهت القصة.. رحمك الله يا أبا يارا..


إن اختلفنا حول هذا الصرح الشامخ الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) نبقى متفقين أنه خدم الوطن والمواطن قبله في أيام وزاراته المتعاقبة، وإن خالفناه في إطروحاته الأدبية نبقى متفقين أنه قدم من الإنتاج ما يشفع له أن يخلد أبد الآبدين كأحد القامات الحقيقية الذي يقف اللسان عاجزاً عن وصف ما حققه من طموح..

انتهت قصة أبو يارا وهو لم يحقق طموحة بعد حتى وإن كان سفيراً ووزيراً.. كاتباً وروائياً.. قاصاً وشاعرا.. أسدل الستار عن آخر معاناته ورحل والكل ينعيه، لم يرحل بهدوء.. رحل وخلفه ذات لم يحققها بعد، فهمته العالية أوهنت جسده حتى تغلب عليه المرض، فلم يستطع بعدها أن يواصل المسير مصدقاً لقول الشاعر:

وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجسام

رحل أبو يارا بعد أن عايشنا حريته في “شقة الحرية”، وتتلمذان على تجاربه في “حياة في الإدارة”، وثرنا على خطى ثورته “ثورة في السنة النبوية”، وتأملنا جمال جنيته في “حكاية الجنية”، لكن لم ندخلها في “العصفورية”..

رحل أبو يارا بعد أن تغزل بسيدته السبعين وقال:

ماذا تريدُ من السبعينَ.. يا رجلُ؟!
لا أنــتَ أنـــتَ.. ولا أيامـــك الأُولُ
جاءتك حاســرةَ الأنيابِ.. كالحَةً
كأنّما هي وجهٌ سَلَّـــه الأجـــــلُ
أوّاه! سيدتي السبعونَ! معذرةً
إذا التقينا ولم يعصفْ بيَ الجَذَلُ
قد كنتُ أحسبُ أنَّ الدربَ منقطعٌ
وأنَّني قبلَ لقيـــــــانا سأرتحــلُ
أوّاه! سيدتي السبعونَ! معذرةً
بأيِّ شيءٍ من الأشياءِ نحتفل؟!
أبالشبابِ الذي شابتَ حــدائقُهُ؟
أم بالأماني التي باليأسِ تشتعلُ؟
أم بالحياةِ التي ولَّتْ نضارتُها؟
أم بالعزيمةِ أصمت قلبَها العِلَلُ؟
أم بالرفاقِ الأحباءِ الأُلى ذهبوا
وخلَّفوني لعـــيشٍ أُنسُه مَلـــَلُ؟
تباركَ اللهُ! قد شاءتْ إرادتُـــه
ليَ البقاءَ.. فهذا العبدُ ممتثلُ!
واللهُ يعلمُ ما يلقى.. وفي يــدِه
أودعتُ نفسي.. وفيه وحدَه الأملُ

رحل أبو يارا هذه القامة الأدبية الذي لم يكرم في حياته ومنعت كتبه من الدخول لوطنه وهو من يمثل الوطن ويقدم الصورة المتكاملة والحقيقية عنه، رآه العالم أجمع ولم نراه نحن إلا بعد وفاته..

رحل أبو يارا ولم يسمع ما قاله وزير الإعلام د. عبدالعزيز خوجه عبر حسابه في “الفيسبوك” بتاريخ 30 يوليو 2010 “تم التوجيه بفسح جميع كتب د. غازي القصيبي.. هذا الرجل صاحب الإسهامات الكبيرة في خدمة الوطن.. وليس لائقا أن لا تتوفر نتاجاته الفكرية والأدبية في مكتباتنا”، ولكنه رحل قبل أن يرى جميع كتبه في بلده..

وانتهت قصة الطموح.. قصة الأمل.. قصة النجاح.. وترجل الفارس.. وأعاد سيفه لمحبرته.. ورحل..

رحمك الله يا أبا يارا..

6 قراء تعجبهم التدوينة.

Share

انضم إلى المحادثة

4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.