“ترجع لأول درس بالابتدائي”

الابداع ليس له وطن، وليس له حدود، الابداع بحر يزخر بالجديد والمتغير، تماماً كما هي الصورة الشعرية عندما تلامس مفردتها الأذهان، ويبحر شاعرها في عقولنا ليرسم لوحة فنية عميقة في المعاني، جميلة في انتقاء المفردات، رائعة في ترابط الأفكار، لنقف عندها متعجبين كيف لم تخطر على بالنا هذه المعاني من قبل.

الشاعر راكان الشراري أبهرني في إحدى قصائده، فبالرغم من أن الطرح مفهوم و واضح، لم يغفل الشاعر العمق في المعنى، وايصال الحكمة بأبسط المعاني، فلنتأمل مطلع القصيدة:

دام العمر بدا من مجيك *** وكل ما تكبر شوي ينقص شوي

أهم حاجة ترضي أمك وأبيك *** والباقي أسهل لك مثل شربت المي

كنا نقول أنك إذا بلغت الثلاثين فقد بلغت منتصف العمر، أما الأربعين فبعدها يبدأ العمر في التناقص، لكن الشاعر في البيت الأول غير المفهوم تماماً، فأول يوم ولدت فيه هو بداية مرحلة تناقص العمر، ورضى الوالدين هو أهم شيء في الحياة والباقي أسهل من شرب الماء.

ويواصل راكان:

ياخي روح اكشت لا تبلش بغيك *** شفني كشت باتونس وأنا حي

بسهلة ما بها مكان مشيك *** وأخذت كم كيلو لحيمة طلي

لحمة أكبر ضلع فيها ركيك *** وبهرتها من خلطة سعود غربي

وشبيت لي نار يا بعد حيك *** نار ما بقت لي من الحطب شيء

من كثر ما أوحش من تحتها وأشيك *** غدت تقل مضراب صاروخ حربي

ياخي استانس بالعمر يا هنيك *** باكر ما ندري من الميت من الحي

الشاعر يدعوا في هذه الأبيات إلى عدم التفكير في الدنيا كثيراً، والبحث دائماً عن ما يساهم في إزاحة الأعباء عن كاهلك، والاستمتاع بالحياة بالطريقة التي تفضلها، فالعمر يمضي سريعاً من ولادتك، ولا تدري متى يحين موعد المغادرة لهذه الحياة.

ويستمر راكان في نشر الابداع:

مصيرك تموت ويشيلك أخيك *** وأكبر فعوله يرشق القبر بالمي

ولا ينفعك لا اخوك ولا خويك *** تدفن وتترك داخل القبر مرمي

ولا تنشد كم عدد سكان حيك *** ولا عن بن دعيجه ولا حاتم الطي

ولو إن ما فيه بمنصبك أحد زيك *** ترجع لأول درس بالابتدائي

من ربك وما دينك ومن نبيك *** بلا شهادة جامعية ولا شيء

النهاية المتوقعة لكل حياة هي الموت، ولا يتذكرك احد بعدها، وستترك في حفرة ضيقة لوحدك، وأكبر ما يقدم لك في في القبر عندها، أن يرش الماء عليه، وعندما يأتي الملكين منكر ونكير، لن يسهلونك عن ما درسته في الجامعة، ولا عن حصيلتك المعرفية من شهادة الدكتوراه، وإنما سنسأل عن أول درس تعلمناه في أولى ابتدائي، من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟، وبعدها يحدد مصيرك الأبدي في النعيم أم في الجحيم.

أبدع راكان في إيصال حكمته، بأسلوب بسيط يفهمه المتعلم وغير المتعلم، وبكلمات تلامس القلب، ونصيحة لا يزعجك أن تسمعها، شكراً راكان.

سجل أعجابك
Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.