حارتنا القديمة

بالرغم من استمراري بزيارة حارتنا القديمة طوال السنوات الماضية، إلا أنه بالأمس أول مره أصلي في مسجد الحارة منذ زمن، وذلك بعد أكثر من 20 سنة، ولعل شريط الذكريات لم يغادر زوايا هذا المسجد، وما أختلف علي هو أن الوجوه لم تعد كما هي، فلا أحد من اللذين أعرفهم موجود في المسجد الآن، تغيرت تماماً، مع تغير أكثر من 90% من سكان الحي.

نظرت للمحارب وتذكرتنا مؤذنا الشيخ مطلق رحمه الله، وتذكرت عندما كنت مع صديقي عبدالرحمن نتعلم الأذان على يديه، كان زميلي عبدالرحمن أشطر مني كثيراً في هذا الشأن، حتى أنه كان يسابق الشيخ مطلق على أداء الأذان، عبدالرحمن كان زميل دراسة أيضاً في المتوسطة.

أمعنت النظر في تلك الزاوية التي تعلمنا فيها القران في حلقة التحفيظ، كان إمام المسجد رحمه الله وقتها يحفظ القرآن لأكثر من 20 صبياً، تفانى كثيراً في ذلك، وكنا جميعاً نحترمه ونقدره، وتذكرت الكثير من الأصدقاء التي فارقت بيننا السنين، وتذكرت تلك العصى التي كان يهددنا فيها الإمام رحمه الله إذا لم نحفظ القرآن.

في الزاوية الأخرى خارج المسجد، كنا نقف أنا وأبناء الحارة بعد أداء الصلاة لنتناقش ونتحاور، ولا نتفرق إلا بعد أن يأتي أحد إخوتنا الصغار معلناً أنهم افتقدونا في المنزل، لنفترق ونحن نعد أنفسنا بأننا سنلتقي لإكمال الحديث في الصلاة القادمة.

تذكرت أيضاً كيف يصحح بعض الرجال لنا الأخطاء التي كنا نقع فيها في الصلاة، ومع ذلك لم يكره أحد النصيحة، بل كنا نأخذها بصدر رحب، ونعدل من أخطائنا.

شريط الذكريات لم يتوقف منذ أن دخلت المسجد وحتى بعد أن خرجت، بعضها جميلة، وبعضها مزعجة، ولكنها أثبتت لي أن حياتنا في تلك الفترة بالرغم من بساطتها، إلا أنها صنعت رجالاً مختلفين، رجال تعلموا من المسجد والمدرسة والحارة، وجميع من عبر في ذهني منهم يخدمون الوطن الآن في الكثير من المجالات.

سجل أعجابك
Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.