“القلطة”.. ستاند اب كوميدي زمان

أتذكر أول محاورة شعرية حضرتها ولم يتجاوز عمري 10 سنوات، كانت في ضمن حفلات الزواج في زمن الطيبين، التي تقام الحارة، تعرفت حينها على صفوف المحاورة التي تتكون من صفين متقابلين، يجتمع في كل صف مجموعة من الرجال، وشاعرين بين هذين الصفين، يرتجلون القصيد، ويردد خلفهم الصفوف وهم يصفقون ويتمايلون، كانت المحاورة حماسية للغاية، وفي ذات الوقت كانت مضحكة أحياناً، ومع ذلك اتفق جميع الحضور في الزواج على أنها ممتعة.

لسنوات خلت لم يكن هناك وسائل ترفيه كثيرة في السعودية، وكان الترفيه منحصر في استئجار أفلام الفيديو أو مشاهدة مباريات كرة القدم، بالإضافة إلى أن الناس يتسابقون إذا سمعوا عن زواج فيه محاورة شعرية، أو ما يطلق عليه بفن القلطة، وكان لهذا الفن نجومه ومشاهيره أيضاً، الذين يتابعهم الكثيرون، ويقتنون أشرطتهم، ومن أشهر هؤلاء النجوم صياف الحربي رحمه الله ومستور العصيمي واحمد الناصر الشايع رحمه الله وحبيب العازمي واحمد السواط.

هذا الفن كان فيه الكثير من الايحاءات المختلفة، فتجد نوع من المحاورات يغلب عليها الجانب السياسي في الأبيات التي يرتجلها الشعراء، ونوع آخر يغلب عليه الفكاهة، فتجد أن الشعراء يرتجلون أبيات فيها اسقاطات على بعضهم ومنها قول حبيب العازمي في 1417هـ في محاورة شعرية مع سهل الحزيمي “مابي بلا لكن لا تمتحني**يا مطوع وزنه ثلاثين طني**أبا أزهم الهيئة تزحفك عني”، وأيضاً المحاورة الشعرية في 1406هـ بين جارالله السواط ومستور العصيمي عندما قال مستور “مرحبا ياللي تغني** كن راسك راس جني”، وغيرها الكثير.

في تلك الفترة كان للمحاورة نجومها، وكانت وسيلة ترفيه لها جمهورها، وأستطيع أن اشبهها بستاند اب كوميدي اليوم، فلو طبقت جميع تعاريف الستاند اب كومدي عليها لوجدتها تتحقق فيها، فتجد أن رد الجمهور وتفاعلهم مع المحاورة سريع ومباشر، وأحياناً يطلبون من الشاعر إعادة الأبيات وخصوصاً إن كانت من نوع الموال، فالصوت واللحن وأسلوب الأداء تضاعف من تفاعل الجمهور مع المحاورة، وتتميز بعض أنواع المحاورات بأنها سريعة الإيقاع، وتروي قصص أو مواقف يتفاعل معها الجمهور بإيجابية.

المحاورة أثبتت قوتها وجماهريتها قبل أن نعرف معنى الستاند اب كوميدي، وكان لها جمهور كبير جداً وفعال، يحبونها حتى وقتنا اليوم، حتى حضرت في موسم الرياض كأحد الفعاليات المهمة، فهي جزء من ثقافتنا، ومن أهم الأجزاء التي تميزنا عن غيرها.

سجل أعجابك
Share

انضم إلى المحادثة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.