“أن زان لـك وقتـك تخـيـر بالأصـحـاب”

من سبقونا علمتهم تجارب الحياة الكثير، لذا تجد في حكاياتهم الكثير من الحكمة، والموعظة، والدروس المستفادة، وتجد في أشعارهم ما يثري تجربتك الشخصية، لذا نرى أن برامج مثل البادية، وبرامج الراوي محمد الشرهان، لها شعبيتها لدى شريحة كبيرة من الجمهور، وذلك لأنها تلخص لهم العديد من التجارب، وتثري تجربتهم الشخصية، فهم يستفيدون من هذه الروايات كثيراً.

وفي القصائد والأشعار الكثير من الحكمة، والكثير من صياغة الأحداث بأساليب تساعد على أثراء التجربة الشخصية، وفي هذه التدوينة سأستعرض معكم إحدى هذه القصائد، لنستفيد من التجارب التي عاصرها الشاعر، ليقدمها لنا بأسلوب قريب من النفس، ويساهم في تعزيز تجاربنا الشخصية، وفي بعض أبيات القصيدة ستلحظ أنك قد مررت بمثل احداثها سابقاً، فتلامسك روحك بأسرع من ما تتوقع، وكأنها تعيد نبش الجراح، القصيدة للشاعر زابن محمد آل عمار الدوسري.

يقول الشاعر في مطلعها:

أن زان لـك وقتـك تخـيـر بالأصـحـاب ..  وان شـــان وقـتــك كـلـهـم مايـبـونـك

أن جيتـهـم قـامــو يـحــدّون الأنـيــاب ..   وان رحــت عنـهـم بالقـفـا يشذبـونـك

لا أدبـــرت دنـيــاك والـحــظّ مـاطــاب ..  الـنـاس لا مــن طـحـت مايرحمـونـك

أهل السيوف اللـي يقصّـون الأرقـاب ..  أمّــــا كـفـاهــم واقــعــك يـظـلـمـونـك

لا تـامـن العـقـرب ولاتـامـن الـــداب ..  الـسـمّ واحــد لا رقـــا فـــي مـتـونـك

يـاجـاهـل الـدنـيـا ودورات الأســبــاب .. أعرف ترى من خـان غيـرك يخونـك

أبدع الشاعر هنا في كلمات مليئة بالحكمة، وعمق التجربة، ومعرفة الرجال، وكأنه يروي تفاصيل تجربة عاصرها، فهو يجزم بأنك إذا كنت في رغد العيش من منصب أو مال أو غيرها، فالجميع يتمنون أنهم من المقربين لك، ويحاولون الوصول إلى رضاك، فأنت بالنسبة لهم مكسب.

بينما عندما تتغير حالك سواءً بخسارة منصب أو مال أو غيرها، ستظهر النوايا الحقيقية، وستنكشف معادن الرجال، ستجد من يقف بجانبك ولا يتخلى عنك، وستجد من يطعنك في ظهرك، ويخوض في عرضك مع أنه كان من المقربين لك، بل ستجد من يظلمك، ويضيف أموراً ليست فيك، وسيصدقه الناس لأنه كان من المقربين لك.

ويشبه الشاعر هؤلاء بالعقرب أو الثعبان، فهما يبثان سماً قاتل، تأثيره واحد لأنه ينقص من صحتك وعافيتك، وربما يؤدي إلى نهاية حياتك، ويختتم الشاعر هذا المقطع بحكمة عظيمة، وهي أن من خان غيرك سيخونك في يوم من الأيام، فلا تثق بهم.

ثم يأتي الشاعر على تجربة أكثر عمقاً، وينقلك لبستان حكمة آخر، فيقول:

لو كان لك ربـع(ن) مواليـن واحبـاب ..  لابــدّهــم عــقــب الــغــلا يـنـكـرونــك

وقـت(ن) يشيّـب بالمخاليـق مـاشـاب ..  أســأل رجــال(ن) جـرّبــو يخـبـرونـك

واحــذر تـخـاوي كــل هـافـي وكــذّاب ..  أهــل الـــردى بطبـوعـهـم يطبـعـونـك

أرفـع مقامـك عـن ردييـن الأنـسـاب ..  لـو شفتهـم فــي حضـرتـك يمدحـونـك

فارق ثراهم وارق فـي راس مرقـاب ..  أبعـد عـن الـلـي لونـهـم غـيـر لـونـك

خــلاّن مــال ومالـهـم ربــع واقــراب .. لا قــــلّ مــالــك عــدّهــم يـكـرهـونــك

وهنا يتحدث الشاعر عن ضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين، والبحث عنها، ويشدد على ضرورة عدم مصادقة أهل الصفات السيئة، وما يطلق عليه بين العامة “الردي”، حتى وإن كان ديدنهم مدحك، ووصفك بالمحاسن، لأنك سيأتي اليوم الذي ستتطبع بصفاتهم السيئة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً) متفقٌ عَلَيه، ويضيف الشاعر بضرورة الابتعاد عن هؤلاء، وعدم مجالستهم أو اتخاذهم أصحاباً، لأنه سيأتي اليوم الذي تنتهي مصلحتهم معك وينقلبون عليك.

ويأتي الشاعر بمواصفات الصديق الصالح في هذه الأبيات:

أعتاض فيهـم مـن طويليـن الأشنـاب ..  الـلـي الـــى مـــال الـدهــر ينفـعـونـك

لاصـكــتــك دنــيـــاك وافـــتـــرّ دولاب ..  بــانــت مـواقـفـهـم ولا يـرخـصـونــك

هــذا رفيـقـك مــن قريبـيـن واجـنــاب ..  ذخـرك وهـم فــي واجـبـك يذخـرونـك

عنـدك قريبيـن (ن) ولـو قلـت غـيّـاب .. علـى صـدى صـوت النـدى ياصلونـك

والأبيات تجمع من الحكمة الشيء الكثير، فهي تؤكد على مواصفات الصديق الصدوق، الذي حتى مع تغير أحوالك يكون معك، ولا يبدلك، ويساندك في محنتك، حتى تنجلي، فهو لا ينسى محاسنك، ويذكرها في غيابك، ويدافعون عنك، حتى تنجلي غمتك ويظهر معدنك الحقيقي، ومهما تطاول الآخرون عليك ستجد أنه يفتديك بروحه، فهؤلاء هم الصحبة الحسنة التي شبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحامل المسك.

وفي آخر القصيدة، يتحدث الشاعر عن الوقت المناسب الذي تبدي فيه وجهة نظرك، أو تقول رأيك في أمر ما، فهو يرى أنه إذا لم يطلب منك أحد المشورة، فلا تبادر بطرحها، وإذا توزع الأصحاب أو الأقرباء في جماعات متناثرة، ولم يتجمعون على رأي واحد، لا تحاول أن تغير هذا الرأي حتى لو كنت ترى عدم صوابه، لأنهم مهما رفعت الصوت لن يستمعون إليك، وإنما لتكن معهم الذكرى الحسنة، فالزمن كفيل أن يزيل كل اختلاف.

ياللـي سمـعـت العـلـم لاتفـتـح الـبـاب ..  لاتنحشـر فـي شــي مـاهـوب شـونـك

ربعك إلى من شفتهم صـارو احـزاب .. وتـشـاورو بـالــراي والـعـلـم دونـــك

لاتـبـدي بـرايـك عليـهـم ولــو صـــاب ..  لو صحت باعلى الصوت مايسمعونك

ومـن لاحسبلـك لاتسـوي لـه حـسـاب ..  لو كان يسوى وحدتن مـن عيونـك

وفي آخر بيت، أبدع الشاعر بالتأكيد على اعتزال والابتعاد عن الذي لا يحترمك ولا يضع لك شأن، حتى ولو كان عزيز عليك، فهو أول من يخونك.

سجل أعجابك
Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.