لبن من المستقبل..


بعد مشكلة زيادة الأسعار والتي كانت في العام الماضي، أطلت علينا شركات الألبان بإشكالية جديدة ومختلفة هذا العام ألا وهي تاريخ الإنتاج، فمثلاً تشتري أحد منتجاتها من المفترض أن يكون تاريخ إنتاجه اليوم، وتكون المفاجأة بأن تاريخ الإنتاج بعد يومين، أي أنك تشتري شيئاً من المستقبل، وكم هو جميل هذا الشعور ولكنه لا يخلو من الغش والتدليس للعميل وهذا ما تتجه إلى محاربته وزارة التجارة.

وزارة التجارة وبعد تعيين وزيرها الصغير بالعمر مقارنة مع بقية الوزراء اختلف تفكيرها بشكل جذري، فأصبح المواطن من ضمن اهتماماتها، صحيح أن محاولاتها إلى الآن لم تنضج إلا أنني مستبشر خيراً بالقادم منها، وقصة اللبن فيها تحدي بين وزارة التجارة وشركات الألبان، فسابقاً كانت فترة صلاحية اللبن تمد لمدة سبعة أيام فقط، وطالبت شركات الألبان بزيادة مدة الصلاحية إلى عشرة أيام، ووافقت وزارة التجارة على ذلك منذ أقل من سنة بشرط أن يتم تجهيز وتعبئة اللبن وفق ضوابط وطرق معينة.

ولكن شركات الألبان لم تلتزم بالقرار كما صدر، واستغلت المستهلكين الضعفاء، فيبدوا أنها لم تتعلم الدرس جيداً من رفع الأسعار، فكانت مشكلة وضع تواريخ إنتاج مستقبلية، وهذه الأخيرة ليست حديثة بل إنها قديمة منذ الوزارة السابقة التي لم تلقي لها بالاً، ولكي يتصور القارئ الوضع بشكل سليم فمدة صلاحية اللبن عشرة أيام وهي المدة المقررة رسمياً وصحياً بناءً على اشتراطات معينة كما أسلفنا، فإذا كان تاريخ الإنتاج يوم (٤) هذا يعني أن تاريخ الانتهاء سيكون يوم (١٤)، والذي تفعله شركات الألبان أنها تنتج اللبن يوم (٤) وتضع على العبوة تاريخ الإنتاج يوم (٦) وتاريخ الانتهاء يوم (١٦) أي أن مدة صلاحية العلبة أصبحت (١٢) يوماً بدلاً من عشرة أيام، وهذه هي نقطة الخداع على المستهلك.

إضافة إلى ذلك لا يبدوا أن شركات الألبان طبقت ضوابط أكثر عن التجهيز والتعبئة للبن وإلا لكانت طلبت بشكل رسمي من الوزارة زيادة مدة الإنتاج، ومن يضمن أن شركات الألبان تقوم بالإنتاج وفق هذه الضوابط.

أستغرب من شركات الألبان هذا العمل خصوصاً أن المستهلك أصبح أكثر وعياً مما يتصورون، فالكثير عندما يتفقد تاريخ الإنتاج يعرف أن شركات الألبان تفعل ذلك، ويبحث في الغالب عن التاريخ المستقبلي لأنه أدق، أو التاريخ الأحدث، وفي الغالب لا يقوم أغلب المستهلكين بشراء عبوات تبقى على نهايتها أقل من ثلاثة أيام إلا فيما ندر، وشركات الألبان تمادت في ذلك كثيراً فسابقاً كانت شركات الألبان تصنع اللبن وتضع تاريخ مستقبلي ليوم واحد، أما الآن فهي تضع تاريخ مستقبلي ليومين، وهذا يتنافى مع أبسط حقوقنا، والمستهلك لا يهتم بمثل هذه الأمور والأهم لديه هو عدم تغيير السعر مع بحثه عن التاريخ الأحدث.

شركات الألبان مخطئة إن ضنت عدم وعي المستهلك في ظل سرعة انتشار المعلومة، فسابقاً عندما كان المستهلك يعتمد على وسائل الإعلام التقليدية للحصول على المعلومة وهذه تتأخر لأيام في عرضها، نجد أن المستهلك اليوم يعرف ما يحدث فوراً في ظل فورة الشبكات الاجتماعية، وسرعة انتقال الخبر والمعلومة، وما تقوم به وزارة التجارة ما هو إلا دورها الفعلي في الحفاظ على السوق من بطش رجال الأعمال وقلة انتمائهم وعدم حرصهم على سلامة المواطن.

عن نفسي أؤيد وزارة التجارة فيما تذهب إليه، وأتمنى أن تستمر في ذلك، ربما نصل إلى يوم نسمعها تقول فيه “المستهلك أولاً”.

سجل أعجابك

Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.