في السعودية: كيف تمتلك منزلاً؟!..


في أول مسكن استأجرته قال جاري أنه لا يحلم مثل كل سعودي بأن يمتلك بيتاً، استغربت من عبارته فامتلاك السكن أهم مشاكلنا هذه الأيام، والسبب ببساطة أنه لا يوجد تنظيم جيد لسوق الإيجارات، فأنت تبقى تحت رحمة المالك إن شاء تجاوب معك وقام بحل الأعطال التي تحدث في السكن، وإن شاء كان لا مبالياً وترك لك سكناً رثاً تقوم أنت بإصلاحه وترميمه، ليخرجك بعدها منه وأنت لم تستمتع بما صنعت، ويأجره لغيرك بأسعار مضاعفة..

حتى وإن أبى جاري بأنه لا يحلم ككل السعوديين بامتلاك مسكن، فهو يعلم ومتأكد أنه لن يقدر على ذلك في ظل تزايد أسعار الأراضي مع وفرتها في بيئة صحراوية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار مواد البناء وتضخمها، وهنا لن ألقى باللوم على هذان الأمران، وإنما سأعاتب الشباب الذين ينتظرون حلولاً من الدولة سواءً عن طريق الصندوق العقاري أو عن طريق برامج الإسكان، وهذا لن يجدي نفعاً لأن المشكلة تحتاج لتضافر جهود كثيرة، ومن وجهة نظري أن الحلول القادمة من الدولة ستكون عبر السكن في شقق صغيرة..

من سنوات وأنا أفكر في امتلاك منزل والحمد لله وبفضل منه استطعت هذا العام أن أمتلك منزلاً صغيراً في الرياض، صحيح أن التكلفة كانت مرتفعة جداً، إلا أنها الحل الوحيد، وأنا أحمل نفسي المسئولية كاملة لأني تأخرت كثيراً في هذا الخطوة، فكان من المفترض أن تكون البداية قبل أكثر من عشر سنوات، ولكن سأعزي نفسي وأقول أن تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل، فامتلاك المنزل لن يأتي في أيام أو لحظات، وإنما يحتاج التخطيط والعمل لسنوات حتى تضع قدمك على أول الطريق، وفي هذه التدوينة سأستعرض معكم بعضاً من تجارب زملائي في امتلاك منزل والتي استمرت بين عشر سنوات وأكثر من عشرين عاماً، وها هم الآن يجنون ثمرة التعب المضني ولم تصل أعمارهم للأربعين بعد، لعلكم بقراءة هذه النماذج تصلون للخطوة الأولى في حياتكم، وفي نهاية التدوينة سألخص لكم خطوات امتلاك منزلاً..

الدور الأرضي كان حلاً؟!..
في عام 1402هـ لم تكن قروض البنوك ميسرة وكان مصرف الراجحي هو الأبرز في تقديم التسهيلات المالية عن طريق تقسيط السيارات، كان “أبو محمد” في بداية حياته العملية، إلا أنه لم يستسلم للأمر الواقع، ولم يقع في براثن الإيجار، فكر في طريقة تمكنه من امتلاك منزل مع أنه في زمن الطفرة، ومن لم يستفد من ذلك الوقت فلن يستفيد أبداً.

أتفق “أبو محمد” وأخاه على التشارك في أرض، وبالفعل استطاعا شراء واحدة على طريق “حمزة بن عبدالمطلب” في حي السويدي الغربي واقتسماها، لكن أبو محمد لم يمتلك المال لإتمام بناء المسكن ففضل الانتظار حتى يتزن مالياً، وبالفعل وبعد فترة وجيزة وعن طريق التسهيل المالي الوحيد الموجود أشترى سيارتين بالتقسيط، وباعهما وبدأ الخطوة الأولى، هو يريد فيلا من دورين، ولكن النقود لا تكفي، فقرر أن يبني دوراً واحداً يستره عن عيون الناس، وبالفعل أستطاع تنفيذ ذلك، وتزوج وهو يمتلك بيتاً من دور واحد أغناه عن سكن الإيجار..

في عام 1424هـ وبعد توسع عمليات الإقراض حصل “أبو محمد” على قرض من مصرف الراجحي بقيمة سبعون ألف ريال، وأكمل منزله بدور أول، وهو الآن يعيش في فيلا من
دورين، بعد أن حقق ما يصبوا إليه بأقل الخسائر وأدنى التكاليف..

وبدأت القروض العقارية..
ذات المصرف كان السباق في تقديم القروض العقارية، أقتنص “أبو عبدالله” هذه الفرصة، وفي شمال الرياض في حي الربيع، وجد ضالته في فيلا من دورين بحاجة لترميم بسيط، وافق مصرف الراجحي حينها على شرائها له مقابل قسط شهري ثمانية آلاف ريال ولمدة خمسة عشر عاماً، لم يستصعب “أبو عبدالله” الأمر، وبعد الاتكال على الله أقدم “أبو عبدالله” على هذه الخطوة..

كانت أول سنوات التقسيط هي أعسرها وأشدها، وبعد أن تجاوز السنوات الخمس الأولى من المدة، بدأت النواحي المالية لأبو عبدالله بالاستقرار، لكن تخطيطه تجاوز ذلك الأمر ولم يفكر في شراء سيارة جديدة أو السفر لأماكن بعيدة، فقرر أن يشتري أرضاً بالتقسيط لعلها تساعده عند تزويج أبنائه، الذي لم يتجاوز عمر أكبرهم العشر سنوات، وبالفعل أشترى واحدة في حي التلال شمال الرياض وعلى مدة تقسيط ثمان سنوات..

قبل بضعة أشهر أنهى “أبو عبدالله” أقساط الفيلا، وأرضه في حي التلال حولها لاستراحة، ويخطط لأن يبيع الاثنتين لكي يشتري فيلا أكبر، فلن تتكرر معاناة التقسيط لأنه تعب في شبابه..

إنها لحياة بسيطة..
بعد أن عدت من اليابان في عام 2000م، كان “أبو ريان” يبحث عن الطريقة المناسبة لامتلاك منزله، نصحني بأن أبدأ الخطوة الأولى معه، ولكن أخذتني العزة بالإثم، وفضلت أن أمشي على مخططي الخاص الذي باء بالفشل لاحقاً، وبظروف خارجة عن إرادتي..

“أبو ريان” أقترض من البنك الأهلي وقام بشراء أرض في حي اليرموك في الرياض، كانت هذه الخطوة الأولى فهو لا يريد أن يسكن في هذا الحي أبداً، ولكن حجم السيولة المالية التي يمتلكها هي من قادته إلى هناك، وبعد سنتين تضاعف سعر الأرض، فقرر “أبو ريان” أن يبيعها، ليشتري بثمنها أرضاً أخرى في مدينة جدة، وهذه الأخيرة تضاعف سعرها بعد فترة فباعها وبثمنها أستطاع أن يشتري أرضاً في حي الصحافة في الرياض ويبنى عليها مسكنه..

قبل أربع سنوات أو يزيد، أستقر “أبو ريان” في فيلته في حي الصحافة، وهو الآن يتذكر الماضي مبتسماً بأن تخطيطه قد أتى بنتيجة ملموسة..

الخطوة الأولى دائماً متعبة..
في عام 1425هـ بدأ فهد حياته العملية معي في العمل، كنت أدربه على البرمجة باستخدام “الديفلوبرز 2000″، وفي حديث عابر نصحته بأن يستغل هذه المرحلة من عمره بامتلاك أرض ولو في منطقة بعيدة من أجل التقديم على الصندوق العقاري، وفعلاً ضلت الكلمة ترن في أذن فهد، وأقدم على الخطوة الأولى وأشترى أرضاً، تضاعف سعرها الآن ولا أعلم عن الخطوة الثانية التي اتخذها فهد.

الخلاصة..
1. أبدأ الخطوة الأولى في امتلاك منزل مبكراً، وبالتحديد مع بداية حياتك العملية، ولا يكون تفكيرك محدوداً مثل بعض شبابنا في شراء السيارات الفارهة والاستعراض بها في شارع التحلية.

2. لا تيأس إذا لم تستطع القيام بالخطوة الأولى مبكراً، وحاول من الآن في أيجاد الطريقة المناسبة لكي تمتلك منزلاً..

3. لا تنتظر أن تأتيك الحلول الذهبية من أبيك أو من الدولة، فأنت الوحيد الذي تعلم بظروفك جيداً وتعلم كيف تعالج أوضاعك المالية وتخطط ميزانيتك..

4. تذكر أن امتلاك منزلاً لن يأتي بسهولة، فهو أصعب قرار تتخذه بعد قرار الزواج، وإن كنت أرى أن قرار الزواج أسهل..

5. تذكر أنه بمجرد تتجاوزك الأربعين سنة، تزداد صعوبة الحلول وتكلفتها..

6. بمجرد أن تحصل على أول وظيفة لك، فأنت بدأت مرحلة مختلفة في حياتك، خطط للمستقبل بشكل مختلف، ولا يعني الفشل نهاية الحياة..

هذا غيض من فيض، أتمنى أن تكون وجدت ضالتك في هذه التدوينة..

5 قراء تعجبهم التدوينة.

Share

انضم إلى المحادثة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    مرحبا اخوي محمد صراحة موضوع مهم جداً والتجارب المذكورة تزيدنا حماسة لاتخاذ خطوات فعلية لامتلاك منزل الأحلام

    – في الفترة الحالية افكر بالزواج وتعرف يحتاج مصاريف

    – الان انتظر دوري في صندوق التنمية العقارية وخاصة ان مبلغ القرض بعد الزيادة اصبح مغري .. وتعرف البنوك تقص الظهر بفوائدها …

    – الحمد لله ارزقني وغيرت الارض

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.