للعرب بين وجه أمريكا الحقيقي والفساد.. قصة ألم


(١)
تكرر الألم في جدة مرة أخرى، ولكن حجم المأساة أكبر، وليس الحل بيان أو توعد لمن أوصل جدة لهذه الدرجة من الفساد، الحل هو البدء من الآن في إعادة بناء جدة من جديد، وفق معايير تضمن سلامة الأرواح والممتلكات، أو تخطيط مدينة جديدة كاملة بجانبها تنقل لها جدة.. في اعتقادي أنه عندما يصل الأمر إلى هذا الحد لن تجدي كل محاولات الترقيع لتعديل أوضاع المدينة الحالية..

العام الماضي سمعنا البيان، وحقق مع الجاني، ومرت الأيام ولم يتخذ الإجراء ضد المتسبب، حتى غرقت جدة مره أخرى، فهل سننتظر إلى العام القادم عندما تتكرر المأساة مرة أخرى..

العالم كله يتحدث عن تغير المناخ، ونحن جزء من هذا العالم، وما حدث في جدة جزء من تغيير المناخ، فهل ننتظر إلى أن تغرق جدة بأهلها، أم نبدأ من الآن باتخاذ الطرق المناسبة التي تكفل أن لا يتكرر ما حدث في سنوات قادمة..

جدة جرح مزعج، ينزف من شدة الفساد، ولن نستطيع تضميد هذا الجرح بمحاسبة المتسببين فقط.. وإنما إعادة تأهيل المدينة بالكامل..

(٢)
بغض النظر عن قبولي لحرق النفس أو رفضه للحصول على حق يكفله الدين والدستور، إلا أن ما فعله محمد البوعزيزي يرحمه الله، حرك همة شعب كامل بل أمة المليار.. فعندما يصل القهر والظلم والفقر إلى أشده لن تجدي كل الحلول معه، وعندما يتملك اليأس من شاب لم يتجاوز الثلاثين ماذا تريده أن يفعل!، ربما يسرق.. أو ينحرف.. ولكن الرجل الصادق مع نفسه، لن يرضى أن يعيش بالهوان والذل..

البوعزيزي قاد ثورة الياسمين في تونس، حتى لو افترضنا أن أسبابه مختلفة تمام عن نهج الثورة، إلا أن رائحة جسده المشوي أصبحت هي نسمة الهواء التي صنعت التغيير..

رحمك الله يا محمد فقد صنعت في شهر ما لم يستطيع أن يفعله الملايين خلال 23 عام..

(٣)
ترى لو كان لدينا “مهاتير” هل سيحرق شاب نفسه؟!.. مع أن “لو” لن تغير شيء في واقعنا، وهي من ضمن أسلحة العاجز، ولكن لنتركها مجازاً، فهل سيصبح ما حدث في تونس درس لبعض حكام الديمقراطية بالتنحي بعد فترة رئاسية ثانية، وهل سيستوعب الوزراء أن الجميع أثخنتهم جراح الفساد، وعدم وجود بنية تحتية، وأنشطة اقتصادية وتعليمية تقاوم فقر وظلم الشعوب؟!..

ترى متى سيستوعب المسئول أن المواطن لا يريد كرسيه لكي يقمعه.. وإنما يريد أن تضمن له عمل يقتات منه، ومنزل يسكن إليه، وحرية يعبر بها عن ما يجول في خلده.. ترى هل سيفهم المسئول ذلك بدون أن يتهافت العرب على حرق أجسادهم وإزهاق أرواحهم هنا وهناك..

لا أؤيد إحراق النفس فهذا انتحار.. ولكن أصبح سلاح العاجزين للتغيير.. وإن كنت أرى أنه لن ينجح مع غير البوعزيزي لأنه له الأولوية..

(٤)
تونس التي أثخنت بالجراح آن لها أن تستريح وتتفرغ للبناء والتطور.. آن لرجالها الصادقين أن ينتشروا في الأرض ويعمروها.. نريد أن تكون تونس خير مثال يحتذي به في إزالة القمع.. وخير مثال يحتذى به في التطور والتقدم، فلا يكفي رفع الظلم فقط، وإنما ضمان أن لا يعود مرة أخرى..

(٥)
عندما ردد المصري الأول وقال “يا عسكري يابو بندقية.. يا زينة الأمة المصري”، لم يكن يدور في خلده أن يصوب هذا العسكري بندقيته على هذا المواطن الذي هتف وما زال يهتف باسمه، ولكن لحظة المصري الأول يقصد الجيش وليس الشرطة، ولكن لا يكون التغيير بالنهب وإزهاق الأرواح؟!..

التغيير آتي لا محالة، ولن تستطيع الحكومات مسايرته، بقمع الحريات وتعطيل الإنترنت وقطع الاتصالات مع العالم الخارجي، وضرب الشعب.. قفوا عند احتياجات المطالبون بالتغيير وستنجحون في مسايرتهم..

(٦)
بيان البيت الأبيض حول أحداث مصر للأسف استغل المعونة، وكأنه يهدد بها المصريين، وكنت قد تحدث بإيجاز عن المعونة وأنها لا تخدم البلد المقدم له وإنما تخدم مصالح البلد المقدم للمعونة فقط، فيا بلاد الديمقراطية المزعومة هلا توقفتم عن التدخل سياسات الدول وحركات الشعوب؟!..

ويا أيها الشعب العربي هلا رفضتم المعونات التي تقدم لكم لأنها لن تخدم البلد وإنما ستجعل لمرسل المعونة اليد الطولى في التحكم في البلد وسياسته واقتصاده..
وجه الولايات المتحدة الحقيقي لا يظهر إلا في الأزمات، وديمقراطيتها للأسف لها وجهان، يقلبها البيت الأبيض كيف ما يشاء..

(٧)
في كل بلد عربي هناك جرح ينزف.. وشعب يعاني.. فمتى سيعي المسئول أن بقاءه وحب الشعب له مربوط بإنجازاته.. وليس بذل الشعب وقمع الحرية..

(8)
الإنترنت وخدماتها وطريقتها في إيصال الصوت إلى أقصى بقاع الأرض هي من صنعت التغيير.. ومحاربة الفساد وتحقيق النماء للبلدان هي من ستخرسها.. وليس منع الناس من استخدامها..

2 قراء تعجبهم التدوينة.

Share

انضم إلى المحادثة

3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.