رواد الصحافة.. أين الأنثى؟


بمجرد أن بدأ حفل تكريم رواد الصحافة السعودية بالأمس، حتى لمح في ذهني مقارنة من نوع آخر، مقارنة بين هؤلاء الرواد الذين أسسوا إعلام وصحافة حقيقي في مجتمع قروي، وبين الأفراد الذين يتحركون الآن في عصر الإنترنت لتشكيل الإعلام الجديد، أعرف أن المفارقات بين الجيلين كبيرة، وربما لا يعرف الجيل الثاني تاريخ الجيل الأول، وربما يأتي جيل آخر يحاول تكريم من بدأ بالثورة على الواقع، بحثاً عن حرية وشفافية، وكلمة غير مبتورة، حروفها تحكي معاناة المجتمع.

رواد الصحافة بالرغم من عدم وجود توثيق دقيق لسيرتهم، إلا أنهم بروح الشباب شكلوا ثورة على المجتمع، حتى بدأت نواة الإعلام الأولى بالطباعة خارج الوطن، فكانت صحيفة (الوفاق) و (التوحيد) من اندونيسيا، و (الدستور) من البصرة، و (الرقيب) من بغداد، و (الحرم) و (الحجاز) من القاهرة، ثم أتت الصحافة من الداخل في العهد العثماني والسعودي، فكانت (شمس الحقيقة) و (صفا الحجاز) و (القبلة) و (الفلاح) في مكة المكرمة، (الإصلاح الحجازي) و (بريد الحجاز) في جدة، (المدينة المنورة) و (الرقيب) و (الحجاز) في المدينة المنورة، ولم يكن هناك توثيق دقيق لتلك الحياة، وكيف صنع الإعلام في ذلك العصر، أتمنى لو كان هناك توثيق دقيق لهذه المرحلة حتى نعرف كيف صنع الشباب عصره؟.

العامل المشترك بين جيل صحافة الأفراد وجيل الإعلام الجديد هو روح وفورة الشباب، والبحث عن الحقوق وإن اختلفت الأساليب والتقنيات، فالجيل الأول هاجر إلى أماكن بعيدة في غياب وسائل النقل الحديثة، لتحقيق ذاته ونفع مجتمعه، وجيل الإعلام الجديد يبحث أيضاً عن هذه الأمور، وربما هو يطلب المزيد من الحرية التي كانت مقنعة في ذلك العصر للشباب الأوائل، وكلاهما يشكلون ثورة وثروة، أحسن جيل صحافة أفراد توظيف نفسه، وأتمنى أن يحسن جيل شباب التقنية استغلال قدراته.

اللافت للنظر وأنا أستعرض الأسماء التي كرمت في الملتقى غياب دور الأنثى نهائياً عن تأسيس الصحافة المحلية، بالرغم من أن الانفتاح في السعودية كما نسمع في ذلك العصر أكثر من الوقت الراهن، والجدير بالذكر أيضاً أنه حتى في تلك المرحلة لم تكن توجد أقلام نسائية، بعكس مرحلة الإعلام الإلكتروني الحالية والتي تشكل فيها الإناث عنصراً مؤثراً في الوسائل المقروءة، ويغيب الصوت والصورة عن الإنتاج المسموع والمرئي، وإن كنت أرى وجود إنتاج محدود في مواقع الفيديو من قبل المواطنة البسيطة التي تصنع الحدث لغيرها.

انتهى عصر صحافة الأفراد، وعصر صحافة المؤسسات (الصحافة الورقية) لا يزال في فورته، ومعها بدأ عهد الإعلام الإلكتروني والجديد والبديل، للهروب من أولئك الذي يحتكرون الكلمة، ولكن الأخير في اعتقادي يحتاج لفلترة وتنظيم، حتى لا تكون النهاية عند أعتاب عدم وجود المصداقية، ومتى ما تبلورت فكرة العمل الجماعي والمؤسسي في هذا الإعلام الإلكتروني بالتأكيد سيستمر وينجح ويحقق ما لم يصنعه الإعلام التقليدي، أما الإعلام الجديد فسيبقى مع تطور التقنية ووجود أفراد قادرين على صناعة الحدث.

غابت الأنثى في الماضي، وظهورها المحدود في الحاضر، ومهما قلنا أننا متمدنون، ونخاطب الأنثى إلكترونياً في الإنترنت، ومواقع الشبكات الاجتماعية، نضل نخشى من أن يأتي من يرى المجتمع بعين القروي، وقوة الوصاية، ورجاحة الذكورة، خوفاً من أن يرى صنيعنا شيئاً من الخزي والعار.

سجل أعجابك

Share

انضم إلى المحادثة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.