شيء من ذكرياتي (المدرسة الأمريكية والكهل الياباني)

شعرت بقوة الصدمة.. لم أكن أتوقع أن أستبعد من قائمة المتقدمين على الوظائف للمستشفى التخصصي بسبب مشاكل في اللغة الإنجليزية، كنت أعتقد أن لغتي جيدة، وأني لا أحتاج إلى أي تدخلات أخرى، كان ذلك في عام 1996م وكنت أطمح للعليا، ولكني صدمت بالواقع المرير بالرغم من أن مستشفى قوى الأمن ينتظر مني أن أوقع العقد معه، فكيف أرفض في مشفى وأقبل في الآخر، قررت حينها أن أبتعد عن الاثنين..

قررت أن أبحث عن وسيلة جديدة لتطوير لغتي الإنجليزية فتوجهت للمعاهد إلا أنني من طبيعة الدراسة تأكدت أنني لن أحقق أي إنجازاً يذكر في هذا المجال، طلبت المشورة من الأصدقاء، وكانت النتيجة اتخاذي القرار النهائي بزيارة سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الرياض..

في ذلك الوقت لم يكن هناك أي تشديد أمني يذكر، لم يكن هناك أي امتعاض واستجواب عند البوابة كما حدث لي في الصيف الماضي عندما زرت القنصلية الأمريكية في الظهران، في ذلك الوقت وبمجرد أن قلت للموظف عند البوابة أنني أريد المكتبة أدخلني بدون أي مشاكل أو حتى امتعاض..

في مكتبة السفارة الأمريكية قابلت تيك الشابة ورويت لها ما حدث وطلبت نصيحتها مع استغرابها لكيفية عدم قبولي بالرغم من أنني أتحدث معها بدون أي مشاكل تذكر، أعطتني قائمة بأسماء عدد من المدرسين والمدرسات الخاصين والذين يحملون الجنسية الأمريكية..

في اليوم التالي بدأت رحلة البحث عن المدرس من أول اتصال لم يحالفني الحظ فقد كانت المدرسة شابة ترعى طفلين وتعارض وقت فراغي مع رعايتها لأطفالها، وبعد أكثر من محاولة وجدت سيدة عجوز على استعداد للبحث عن مكامن النقص في لغتي، وسبر أعماقها، والتأمل في مخارج الحروف، والتدقيق على قواعد اللغة، لعلها تجد المشكلة وتعالجها، اتفقت معها على ثلاث ساعات أسبوعياً بقيمة 80 ريال للساعة الواحدة..

بدأت رحلة الدراسة من جديد، وبعد أسبوع شاءت الظروف أن ألتقي بذلك الكهل الياباني “يامادا” وعائلته في منزل مدرستي الأمريكية، عرفتني عليه مستغربة أننا نعمل في نفس الجهة ومع ذلك لا يعرف أحدنا الآخر، زال استغرابها عندما عرفت أنني أعمل في المركز الرئيسي في شمال الرياض بينما يعمل هو في المختبرات في وسط الرياض..

بعد أسبوع تقريبي هاتفني “يامادا” يخبرني أنه رأى إطارات سيارتي أمام منزل المدرسة الأمريكية، وأنه يجب علي تغييرها على الفور لأن الاستمرار في قيادتها بهذه الحالة ربما يؤدي إلى كارثة، وهذا ما أكده لي الفني الذي غير الإطارات، ترى لمذا أقدم “يامادا” على إسداء النصيحة لي بارغم من أنني لا أعرفه نهائياً فقط لقاء عابر لأقل من خمس دقائق؟، المدرسة الأمريكية أيضاً استغربت ذلك فقبل بداية الدرس أخبرتني أنه قال لها ذلك وشدد على ضرورة تغيير الإطارات لسلامتي..

كان ذلك الياباني دمث الأخلاق في غاية الروعة وقمة الرقي، ندمت كثيراً أنني لم أتعرف عليه من قبل، فذات يوم دعوته وعائلته لتناول طعام العشاء، وأجاب الدعوة على الفور، توجهنا لفندق الخزامي، وأصر على أن لا أحاسب على الفاتورة وكأنه بدوي من عمق صحراء الربع الخالي، وعندما رفضت بشده أصر على ذلك، وكأنها معركة لإثبات أينا أشد بداوة، وفي النهاية استسلم للأمر الواقع..

كانت هذه هي المرة الأولى التي أتعرف فيها على شخص ياباني؟، بعيداً عن أفلام الكرتون شانشيرو وكابتن ماجد، ومرت الأيام والسؤال ما يزال يضيق به صدري حتى رحلت إلى اليابان في عام 1999م للدراسة، وعرفت كيف أن الشعب الياباني يتمتع بحب المساعدة والصداقة والأخلاق..

تدوينات ذات صلة:
العمل ثم العمل.. لنحقق الأمل كاليابانيين..
الأسرة.. التربية.. التعليم.. يا أحمد الشقيري!
حتى اليابان يراها المكفوفين ونحن لا نراهم!
العقاب الياباني
ذكريات عيد الحب..

سجل أعجابك

Share

انضم إلى المحادثة

6 تعليقات

  1. اخوي محمد التدوينة اكثر من رائعة ولكن نتنظر التكملة لاهنت
    والف شكر على مواضيعك الرائعة واسلوبك اروع

  2. اعتقد ان دارستك في اليابان اثرت في سلوكك وشخصيتك بشكل ايجابي

    وهذا اللي نتمناه من شباب البلد المبتعثين للدراسة في الخارج ان يأخذوا افضل العادات والسلوكيات من البلدان التي يعيشون بها بما يتوافق مع ديننا الاسلامي

  3. والله انا كمان امنيتي روح زور اليابان يوما ما… طبعا كبرت وما عدت اقدر اروح ادرس بصفتي طالب شاب بس زياره كرجل اعمال كمان بتكون حلوه اعتقد 🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.