تحري الفتنة..


الذي حدث في هذا الشهر الفضيل لا يمكن أن يخطر على بالأحد، فالخطأ وارد في كل شيء، ومن لا يفترض نسبة الخطأ ويقدرها ويحترم وجودها فهو لا يعي معنى الحياة، والذي حدث من بلبلة حول دخول الشهر الفضيل ليس إلا بحثاً عن الفتنة وتحري لها ومحاولة لإشعالها، والفتنة أشد من القتل.

تشكيك الناس في عباداتهم من أبشع الأمور، وهذا العام لم يكن التشكيك سهلاً، فغالباً ما كان يشكك في دخول الهلال أول الشهر أو خروجه في آخر الشهر ومن ثم ينتهي الأمر في تلك الليلة، أما هذا العام فقد كان التشكيك إلى منتصف الشهر، حتى أختلت موازين الفهم لدى الناس وأصبحوا يبحثون عن من يؤكد لهم صحة عباداتهم.

في السابق كان الناس يتحرون ليلة السابع والعشرون من أجل قيامها تحرياً لليلة القدر، ولكن التشكيك الذي استمر إلى دخول العشر المباركة أزعج الناس وجعلهم يشكون في عباداتهم، وهل قاموا الليالي العشر المباركة أم فاتتهم ليلة، وهل يقومون الوتر فعلاً أم أنه قيام لليالي الزوجية، وهل كان قيامهم لليلة سبع وعشرون أم قاموا ليلة ثمان وعشرون، كل هذا بسبب أن شخص ما قرر أن يكذب ويتحرى الكذب من أجل إفساد أمر ديننا.

أيضاً عندما تحرينا انعقاد اللجنة لتحري الهلال ليلة تسع وعشرون من رمضان ألم يفقدنا هذا التحري حلاوة ليلة الوتر الأخيرة من رمضان وربما تكون الليلة الأخيرة من الشهر الفضيل، ألم نشعر بالضيق والحرج، ألم نستشعر الغرابة وأن أمراً خارج عن المألوف حدث، ألم نفقد بهجة تحري العيد.

تصرف المحكمة العليا من وجهة نظري البسيطة لا أرى إلا أنه لا غبار عليه، فهي حاولت أن تسكت من أراد إشعال الفتنة في ديننا، لذا تحرى الناس الهلال ليلة الثامن والعشرون والتاسع والعشرون، ولكن الفرق أن التحري ليلة ثمان وعشرون ليس إلا إخماداً للفتنة التي صاحبتنا طوال الشهر الفضيل وأنغصت علينا حلاوة العبادة.

ما الذي يمنع من وقوع الخطأ، بالرغم من أن ليلة الثلاثون من شعبان كانت ليلة في المنطقة الوسطى من السعودية يغطيها الغبار الذي تستحيل معه الرؤيا، وبقية مناطق المملكة بين الغيم والغبار لذا أكملنا شعبان، ولو وقع الخطأ كما حدث في ١٤٠٤ فديننا يسر، ما المانع من أن نقضي اليوم الذي فات.

من ينكر وقوع الخطأ في العلم والحساب والفلك والرؤيا ليس إلا جاهل لا يعرف معنى العلم، ولا يعي ما معنى الدقة، فكلنا نخطي وهذا من صنيع البشر، ولكن من إتعض وأصلح خطأه فقد دخل في حمى الفضيلة، لقول الحكمة الرجوع عن الخطأ فضيلة، فرحم الله من أستطاع أن يقف سداً منيعاً لكي لا تتغلل الفتنة في الدين.

الحمدلله الذي أتم علينا الصيام والقيام، والحمدلله الذي سهل لنا القضاء على الفتنة، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وكل عام وأنتم بخير
محمد المخلفي
عيد الفطر – ١٤٣٤ هـ

سجل أعجابك

Share

انضم إلى المحادثة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.