بين فواكه الطنطاوي ومكشات المطاوعة قصة تناقض


في أيام الشباب الأولى كنا نجتمع بعد صلاة المغرب في رمضان على مائدة الشيخ علي الطنطاوي، كنا نستلذ بأحاديثه العطرة، ونستنشق عبير كلماته المعطرة، حتى ولو كانت مائدته لا تحتوي إلا سلة فواكه بلاستيكية، إلا أن كلماته لها طعم آخر، مازلنا نتذكرها الآن، بل ونتبادل مقاطعها المرئية في عصر الهواتف الذكية.

والآن مشايخنا جزاهم الله خيراً يستلذون هم بمكشات من نوع آخر، تجدهم يطلون علينا من دول مختلفة تشاهد وجنته وقد اشتد احمرارها من شدة برودة الطقس هناك، وكأنهم يريدون تعذيبنا بالحر الذي نصوم فيه، فكيف يريدون أن يتقبل الناس منهم النصيحة وهم يصومون بلا مشقة ويتباهون بذلك أمام الملا.

لم يتعلم مشايخنا الأفاضل من زهد الشيخ الطنطاوي رحمه الله شيء يذكر، وغفلوا عن جميل المواعظ الذي كان يقدمها، والآن يريدون من المشاهدين أن يتقبلوا النصيحة وهم يعيشون بطر النعمة، وهذا البطر حصلوا عليه من خلال تقديم هذا البرامج الدينية لهؤلاء البسطاء الذين يقبعون خلف شاشات التلفاز.

سنوات عديدة كان الشيخ علي الطنطاوي يقدم برنامج اليومي في رمضان وبرنامجه الأسبوعي طوال العام ولم نشاهد عليه أي بطر في النعمة، كان رحمه الله بسيطاً يقدم الكثير، ولا يحاول أن يؤذي محبيه ومشاهديه ببطر النعمة، ويستعرض أمامهم أمه يحصل على الكثير، مع أنني أكاد أجزم أنه لا يحصل إلا على النزر القليل.

ترى متى يتعلم مشايخنا الأفاضل من زهد من كان قبلهم، متى يستمعون للنصيحة ويبتعدون عن المظاهر الكذابة التي تنتهي بمجرد أن يلف الإنسان الكفن الأبيض ويعود إلى أصله التراب.

أكاد أجزم أن عدم تقبل شبابنا لنصائح رجالات الدين في الوقت الحالي هو أنهم لا يرون القدومة فيهم، لا يرون أنهم يتجولون في اللبس فقط بل يبالغون في اللبس والسفر والمظاهر، ويقدمون برامج توعية لأناس يصومون تحت درجة حرارة 45 مئوية، يرونهم وهم في نفحة من براد الجنة، فأين الورع والتقى والزهد.

شكراً مشايخنا الأفاضل لنصائحكم المبهرجة، ورحمك الله يا شيخنا علي الطنطاوي لنصائحك التي مازالت تلامس قلوبنا حتى بعد رحيلك بسنوات عديدة.

قارئ واحد معجب بالتدوينة.

Share

انضم إلى المحادثة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.