عندما تتكلم الأصابع..


(١)
سابقاً كانت القوة في الإلقاء والصوت المميز والجهوري والثقافة العالية هي من تكسب، ولكن الآن لم يعد لكل تلك الأمور أي جدوى، فالأهم أن تعرف كيف تستخدم أصابعك في النقر على الحروف لتكتب تغريدة ضحلة تستفز بها غيرك، بغض النظر عن من أنت وما هي هويتك.

(٢)
الأصابع أصبحت أمهر من أسد الغابة في إقتناص الفريسة وإمعان تعذيبها ومن ثم بعد أن تلتهم جلها يترك الباقي للغربان لتنهش فيها كيفما تريد، لا يهم مدى رضاك عن نفسك، المهم أن يراك العالم بطلاً مغواراً تفني كل شيء جميل في العالم ولو على حساب الذمة والضمير والأخلاق.

(٣)
كم من شخص لا يعرف كيف يخرج العبارة من فمه، أو يعبر عنها، وإنما عندما يجلس خلف الجهاز تجيد أصابعه كل فنون البوح، وتنطق بأعذب العبارات، وتقول أعذب الفنون، وهو بدون هذه الأصابع لا شيء سوى إنسان على هامش الحياة لا أحد يقيم له أعتباراً، ولا يؤخذ برأيه، ولا يستشار.

(٤)
وكم من شخص يجيد فنون الحديث، ويعرف كيف يظهر للعالم، يتحدث بلباقة، ويشد الأنظار إليه، ولكن عندما تتحرك أصابعه لتدغدغ لوحة المفاتيح تفضحه أمام رؤس الأشهاد، فليس هذا هو الكيس الفطن، الذي يعرف فنون الكلام، ويبتعد عن لغو الحديث، ولكن أصابعه بينت مدى ضحالة تفكيره، وسوء معتقده، وسواد قلبه.

(٥)
غابة الأصابع لا قوانين فيها، من يمتلك أقوى العبارات هو من يتسيدها، هناك من يجيد التجني على الآخر بغض النظر عن طريقة الحوار أو مستوى التفكير، المهم أن يجيد رمي التهم ويجيد قذف العبارات السيئة، ويشكك في العقيدة، ولا يهمه كم عدد الأشخاص الذين جرحهم، وكم عدد الناس الذين وقع في آعراضهم، المهم فقط المجد الشخصي وزيادة عدد المتابعين.

(٦)
لله درك أيتها الأصابع، كم رفعت من شأن بشر، ووضعت من شأن آخرين، وكم كشفت سوءت بشر، وكم سترتي آخرين، وكم أزلتي من دول، وكم رفعتي من شأن أشخاص ليس لهم من الحياة نصيب، وكم رددتي من ضال، وكم أطعمتي من فقير، كلها بكلمة لم تقال ولكن كتبت ليرى الناس الحق جلياً كالقمر ليلة إكتماله.

سجل أعجابك

Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.