حملة حج رصيف منى الصالح…


“وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ” هكذا كانت المناداة الإلاهية، وكانت الثقة أيضاً بالعباد عالية إذ قال سبحانه وتعالى “يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”، الثقة العالية من الله سبحانه وتعالى بعباده متجلية في هذه الآية الكريمة، ومنذ أن نادى إبراهيم عليه السلام عن الحج لم تفرغ مكة من طائف ببيت الله أو ساعِ بين الصفا والمروة، أو راكع خلف المقام، حتى يوم التاسع من ذي الحجة والذي يكون فيه الحجاج منذ صباحه في عرفة، تأتي نساء مكة ورجالها للطواف بالبيت العتيق، ولم يفرغ بيت الله من رواده.

ولكن هذا النداء لا يقول أن لا نحترم النظام، أو أن لا نتحلى بالأخلاق التي بعث رسول الله ليتمها، فقد أتعبني وآلمني منظر مكان الحجاج بعد أن أتم الله عليهم يومهم في عرفات ونفروا إلى مزدلفة، فالنفايات كانت تملأ المكان، فهل هذا خلق حاج أو خلق مسلم، قلت وقتها في تويتر “إننا لن ننتصر كمسلمين إلا إذا شاهدنا عرفات نظيمة بعد النفرة منها كما دخلها الحجاج في صباح اليوم”، ديننا الذي حثنا على النظافة وأمرنا بالاغتسال خمس مرات في اليوم بالتأكيد لا يرضى بهذا المنظر، ونلوم بعد ذلك القائمين على الحج ونعاتبهم لتأخرهم برفع النفايات.

لو كل حاج حافظ على نظافة المكان الذي يجلس فيه، وأهتم بأن يجمع مخلفاته ويضعها في الحاوية المخصصة لذلك لما شاهد العالم أجمع منظر عرفات بهذه الصورة المزرية، أليس منظر الحجاج وهم بلبس واحد ويرددون تلبية واحدة يبث للعالم أجمع ويعتبر دعوة مفتوحة لاعتناق هذا الدين الذي يكون فيه الناس سواسية، فلماذا لا تكتمل الصورة بمحافظة الحجاج على كل جميل في موسم الحج، والاهتمام بالنظافة وغيرها من الأمور التي تبهج الناظر.

الأمر الآخر الذي طالما تناقشت مع الوافدين لهذا البلد بخصوصه، وهو مخالفة النظام وعدم الحصول على تصريح للحج، وغالباً ما يقول لي الوافدون أن البيت لله فلماذا نمنع عنه؟، في الحقيقة هو ليس منع وإنما تنظيم، في كل سنة نشاهد كيف يضايق حجاج الداخل الحجاج الذين يأتون من أصقاع المعمورة بشكل نظامي، ولا يبالون بذلك، وهذا العام لا بد أنكم شاهدتم كيف إزداد عدد الحجاج بصورة مهولة هذا العام، فما يقرب من الأربعة ملايين حاج من الصعب جداً أن يتم السيطرة عليهم وعلى تنقلاتهم خلال اليومية المتزامنة من التاسع إلى الثالث عشر من ذي الحجة، وفي كل يوم هم بمكان معاً، ألا يستشعر هؤلاء المخالفين للنظام عظم الذنب الذي يقترفونه عندما يزاحمون زوار بيت الله.

لا شك أن البيت لله وحده سبحانه وتعالى، ولا شك أن المخالفين ليسوا فقط وافدون، وإنما هناك من أبناء البلد من يعتبر هذا التصرف هو حملة الرصيف الصالح، وهذا الأفتراش الذي نشاهده في التلفاز لا شك يؤذي من أتبع النظام من زوار بيت الله وحرض على أن يكون له سكن في منى ومكان جلوس في عرفات، ترى من يفترش الأرض في منى هل سيخالف النظام في بلده؟.

أضف إلى ذلك هناك تسامح من رجال الأمن على مداخل مكة مع هؤلاء المخالفون، وما زلت أتذكر قريبي عندما حج قبل سنوات وقال “دعوت للعسكري وقلت ربي يزوجك، فأتاح لي العبور”، صحيح أنها دعوة حاج لكن في النهاية هذا الحاج مخالف للنظام الذي تسنه الدولة لكي يكون الحج ميسر وسهل.

موسم الحج هذا العام اشتكى القائمون عليه بصريح العبارة من حجاج بعض الدول وعدم توجيههم أو تدريبهم في بلدانهم، وفي رأيي المتواضع أن تعد لجنة الحج المركزية ووزارة الحج برنامج تدريبي يوزع على الجهات المسئولة عن الحجاج في الدول الإسلامية لتعتمد معاهد أو ندوات أو دورات لتنفيذ هذا البرنامج، ويعطى راغب الحج بأنه حضر هذا البرنامج وفهم واستوعب ما فيه، ويكون حضور هذا البرنامج شرطاً لمنحه الحق في القدوم لمكة وأداء الفريضة، لأن الوضع لم يعد يحتمل، وتزايد الحجاج بهذا العدد قد يؤدي إلى مشاكل الدولة في غنى عنها، وبتحقيق التدريب والتعليم لحجاج الداخل والخارج بلا شك سيرتفع حجم وعي الحجاج، وسنشاهد الحج بشكل مختلف، وسيعود كما كان منظماً وسهلاً في حجة الوداع.

سجل أعجابك

Share

انضم إلى المحادثة

تعليقين

  1. هلا ابو سطام
    حج مبرور وسعي مشكور وتقبل الله صالح اعمالكم

    ملاحظة على توظيف الثقة والثقة العالية في الحديث عن الله عز وجل مع عباده. لا تصح بهذا اللفظ لان الثقة تكون ممن لا يعلم الغيب لكن يؤمن بحدوث الشيء بنسبة عالية تسمى الثقة

    ملاحظة على بقية التدوينة
    التنظيم يكون من المنظم ولا تنتظره من الحجاج وفن ادارة الحشود لا يقتصر في الحج على التفويج فقط لتلافي المشكلة المرورية. دول العالم تقيم اولمبيات وبطولات يحضرها الملايين ولم تطالب بتدريب الحضور

    أؤيد وبقوة رأيك بخصوص التصاريح والافتراش مع ضرورة ان بكون هناك حملات زهيدة جدا للمعدمين من المسلمين حتى لو اقتصر دور الحملة على توفير مكان النوم والوضوء فقط لحل مشكلة الافتراشً وحتى لا يكون من الانظمة ما يمنع المعدمين من الحج فالأمر أسمى من أي تنظيم 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.