بائع الورد..


بمجرد تجولي في شارع التحلية في الرياض يزعجني كثيراً بائعي الورد، مصدر الإزعاج بالنسبة لي هو أن ترى سماحة الورد ولين جانبه في يد رجل يعرضه على أشخاص يفترض فيهم الرومانسية في منظر لم نعتد مثله في الرياض من قبل.

مما ترسخ في مخيلتي – وهذه صورة نمطية – من المسلسلات المصرية أن من يبيع الورد عند الإشارات أطفال لم يتجاوز أعمارهم العشر سنوات، يحاولون اختراق خصوصية لحظة حالمة بين عاشقين لم يجدا لكبح مشاعرهم سبيلا، ليأتي هذا الطفل وبكل براءة ليختلس عليهم الخلوة الحميمة، ويزيد اللحظة الحالمة رومانسية من عبق الورود من أجل حفنة من المال.

في شارع التحلية لن تجد مثل هذه البراءة، وإنما ستجد صلافة بائع الورد وهو يرفع باقة تعيسة من الورود، وكأنها كتب عليها الشقاء، ويصرخ من بعيد لكل ثنائي ليعرفهم بأنه يبيع الورد، فكيف يا صاحبي ستجني مالاً بمثل هذا العنف، خصوصاً وأنك تروج لمخلوق لطيف لا يقتنيه إلا عاشق يحاول أن يقتنص تأمل في عيني المحبوبة، يلمع فيها وجل من سيارة (مطاوعة) قد تقطع لحظة سعيدة لم يؤمن عواقبها.

عند تقاطع طريق الملك فهد مع شارع التحلية لمحت بائع الورد وهو رجل تجاوز الثلاثين من عمره، يمسك في يده اليسرى مجموعة من الأزهار يرفعها عالياً ويصرخ على قائدي المركبات “اشتري ورد”، بينما في يده اليمنى سيجارة ينفثها بين الفينة والأخرى، لم أحتمل بشاعة المنظر، ودعوته إلي لأقول له “رائحة الورد الجميلة، ورائحة الدخان البشعة كيف يجتمعان، كيف تريدني أن أشتري الورد وأنت تدخن؟”، أجابني الرجل ومن لكنته يبدوا أنه من جنسية عربية “أريد أن أجمع المهر، أريد الزواج”، درجة استعطاف عالية جداً في حديثة، ولكن لا تتناسب مع جلالة الورد.

تذكرت ابنة صديقي الأمريكي المسلم، عندما انفصلت عن زوجها بعد أن اعتنقت الإسلام، أنجبت بعد ذلك طفلتها الأولى وأسمتها “جنة”، لم أجد أفضل من الورد يتناسب مع الموقفين، اعتناق الدين الحنيف وقدوم مولود جديد، وفعلاً عند النظر في عين من يُهدى له الورد، ستجد تلك اللمعة الغريبة، والمشاعر المكبوتة، التي تريد أن تخرج، ولكنها تكابر، ندمت حينها على أن أهديت لها ورداً، وإلى هذه اللحظة ما زلت أزداد ندماً.

“الورد” لغة تفاهم جميلة، باختلاف ألوان ورقاته تختلف ترجمة الرسالة المراد إيصالها، فالأحمر لون اللحظات الحميمة وصدق العاطفة والرغبة في العناق، بينما الأبيض رمز الصداقة والطهارة، “الورد” لغة المشاعر الجياشة التي يكون البوح بها رمزاً بدون كلام..

عفواً صديقي “البائع” لقد أهنت كرامة “الورد”، وجرحت مشاعر “سموه”، وعاملته بعنف وهو لغة الصداقة، وترجمان العشق، ودليل الطهارة، ووصفة الحياة السعيدة، لن أشتريه من شخص أهان جلالة قدره..

عذراً للورد.. وقعت في يد من لا يعرف قدر سماحتك..

حقوق الصورة محفوظة لصاحبها (توقيعه على الصورة)

سجل أعجابك

Share

انضم إلى المحادثة

تعليقين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.