“صحيب زعيل”.. خذلتني يا صديقي


“رب أخ لك لم تلده أمك” هكذا قالوا في وصف الصديق، وهم صادقون في الوصف فمن الصعب جداً أن تجد مثل هذا الشخص، فهو كالعملة النادرة، وأسهل من ذلك أن تجد صديق له عمر افتراضي وتنتهي بعده الصداقة، نعم وقت محدد وعمر ثابت للصداقة بعدها تكون الخيانة من الذي يسمى صديق وتكون صفة الغدر هي الثابتة.

عندما كنا صغاراً.. وبأصابعنا الصغار كنا نعقدها ونقول “صحيب”، وعند أول زلة نعود ونقول “زعيل”، كنا نعتقد أن الصداقة مجرد لعبة، كبر بعضنا وعرف أنه من الصعب أن تجد الصديق الصدوق الصادق، بينما ظل البعض الآخر يجزم بأن الصداقة لا تتعدى مفهوم “صحيب و زعيل”، ومارس بكل عنجهية كسر حواجز الثقة التي منحها له شخص آخر ضن أنه صديق له.

لا تستغربوا إذا قلنا أن للصداقة عمر افتراضي وتنتهي، ولكن هل الصداقة مجرد كلمة نرددها ولا نعي أبعادها؟، هل الصداقة مجرد وجود شخص حولنا وبالقرب منا؟، الصداقة أبعد من ذلك بكثير، الصداقة تعني تقبل الصديق بكل عيوبه، ومحاولة تصحيح العيوب بدون تجريح فيه، وتقديم العون له متى ما احتاج، وعدم التشهير به عندما نعتبر أنه فعل خطأ ما، وإنما نتحدث له ونقول إن فعله أزعجنا، نحاول أن نجبر عثرة الصديق، ونصدقه في الفعل والقول.

إذا كان الحب لغة القلوب، فالصداقة لغة لا يمكن ترجمتها بسهولة، لغة تنبع من العقل والقلب معاً، لا تستقيم إلا بهما، فالقلب يزيد الصداقة ابتهاجاً، والعقل يزيدها وعياً، لغة الصداقة لا يفهمها من لا يمتلك قلباً صافياً، وعقلاً نيراً، الصداقة أنضج وأكبر وأسمى من الحب.

الصداقة أن تجد شخصاً يقف إلى جوارك عندما تشتد بك الأزمات، يمسك يدك لتعبر تلك الصحاري القاحلة من المنغصات، وتتجاوزها إلى بر الأمان، وعلى العكس من ذلك يكون معك في فرحك، يزيد ابتسامتك ضياءً، ويزيد فرحك حياةً.

هكذا هي الصداقة الحقيقية، وإذا أختل أي من الجوانب السابقة بالتأكيد تختل المعادلة برمتها، ليصبح للصداقة عمر افتراضي، أزفت نهايته، ما لم يعتذر الصديق أو تعذره أنت، وإن تكررت فهذا يعني أن العمر الافتراضي للصداقة قد انتهى، وأصبحت تلك الذكريات الجميلة مجرد آلام نتذكرها بحسرة ونردد كم كنا مخدوعين.

شتان بين الصديق الحقيقي والمزيف، الحقيقي يبحث عنك عند غيابك، يجد لك العذر، لا يعكر عليك حياتك، يحاول أن يراعي مشاعرك ويخشى عليها، ولا يتحين الفرصة لإيذائك، بينما المزيف يبحث عن زلتك دائماً، يحاول أن يحرجك أمام العالم، يصنع لك الألم مرة تلو أخرى، وأنت تصفح عنه، تريد أن تلتصق بك صفة الوفاء، ولكن يتمادى حتى تأتي القاصمة وتقضي على كل جميل كنت تفعله.

أعرف أنك يا صديقي لا تهتم، ولا تقدر مقدار جرحك لي، أعرف أنك مجرد ورقة في مهب الريح، أمسكتها لكي تحملني إلى مكان آمن، ولكن خنتني وذهبت وتركتني أندب حظي أن اتخذتك صديقاً..

هل تسمعني يا صديقي.. لقد خذلتني..

* حقوق الصورة محفوظة لصاحبها (لا أعرف من هو).

2 قراء تعجبهم التدوينة.

Share

انضم إلى المحادثة

4 تعليقات

  1. والله ذكرتني بصحيب وزعيل .. ياللبساطة اللي كنا ندور في فلكها
    بصراحة مع مرور الزمن اكتسبنا من الخبرة التي قد تساعدنا
    في معرفة معادن الأصدقاء .. لكن هل سألت نفسك هل أنت صديق صدوق ؟

  2. ثلاثٌ مَن كنَّ فيه وجَد حلاوةَ الإيمانِ : مَن كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، ومَن أحبَّ عبدًا لا يحِبُّه إلا للهِ، ومَن يَكرَهُ أن يعودَ في الكفرِ، بعد إذ أنقَذه اللهُ، كما يَكرَهُ أن يُلقى في النارِ .
    الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 21
    خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.