الهمة العالية والمصاب الجلل..


دخلت للوضوء في أحد المجمعات التجارية في الرياض.. رجل وابنه المقعد، ربما للتو تجاوز الابن الثامنة عشرة من العمر، هو لا يحرك يديه أيضاً، ويعاني من تخلف بسيط، ومع ذلك أباه يساعده على الوضوء، رأيته كيف يقوم بغسل وجه الابن، وكيف غسل يديه؟، ومسح على رأسه وجوربيه..

لم يستثقل هذا الأب مع مصابه الجلل، الصبر على ولده، وأي صبر إنه صبر من نوع آخر، صبر على طاعة الرحمن، قال تعالى “واصطبر عليها”، ولكن هذا الخطاب موجه لك أيها المؤمن لكي تصبر على أداء عباداتك، إلا أن هذا الأب استشعر مسئولية إيصال هذا الخطاب لابنه، بل قام بمساعدته على تأدية المطلوب من الخطاب، هذا الرجل جعل من هذا الخطاب نوراً ونبراساً له لكي يساعد ابنه المقعد على العبادة، اعتبرها أمانة ملقاة على عاتقة ومسئول مسئولية كاملة لإيصالها لابنه..

هذا المشهد دليل على الهمة العالية للأب بعيداً عن الدين، فهو لم يتملكه اليأس وأمسى يندب حظه العاثر على ما أصاب أبنه، هنا نجد حلاوة الصبر على المصيبة، ولذة الإيمان الحقيقية..

وعلى العكس من ذلك في حينا مراهق لم يتجاوز من العمر الخامسة عشرة يعاني من تخلف بسيط، هو محيط بتصرفاته وغير مؤذي، إلا أنه لم يجد من يهتم به.. من يمسك بيديه، ويمسح على شعره، ويحاول أن يوجهه إلى الطريق السوي، أراه في المسجد يصلي معنا، ولكن يشرب الماء في الصلاة، يتلفت نحو اليمين واليسار، ترى لو كان أباه مهتم به، ولم يتركه يذهب ويأتي بغير رقيب أو حسيب هل كان سيبقى بهذا الشكل، رأيت هذا الفتى كيف يخرج من المسجد يهيم على وجهه ويقلب كفيه ويحدث نفسه، يسلم على هذا، يحاول أن يحتك بكبار السن، هو ليس مجنون وغير مؤذي كما قلت، إلا أنه بحاجة لمن يقف إلى جانبه ويساعده على نفسه..

شتان بين المثالين ففي الأول كان يستطيع الأب أن يترك أبنه في المنزل مع الخادمة ويذهب هو إلى أي مكان يريد بدون أن يتحمل مسئولية ابن مقعد ولا يحرك يديه ومختل عقلياً، إلا أنه استشعر حجم الأمانة، وأعطى ابنه حقه البشري في أن يستمتع بالحياة خارج المنزل، وحقه في الآخرة بأن يساعده على العبادة، أما المثال الثاني فلم أرى الأب مع ابنه إطلاقاً، أرى الابن دائما لوحده يخرج ويتجول هنا وهناك، ترى لو أضاع الابن مكان المنزل ماذا سيفعل الأب..

في الفترة الماضية بدأت ألمس في الأماكن العامة أن السعوديين أصبحوا أكثر وعي، لم يعدوا يهتموا لكلام أحد، أبناءهم معهم سواءً سوي أو مقعد أو يعاني من تخلف أو جمعيها، إلا أن بعضهم يبقيه حبيس كرسيه، أما البعض الآخر يساعده على نفسه ويصبر ليستمتع الابن..

في أحد المجمعات التجارية سيدة ومعها ابنتها ليست على كرسي متحرك وإنما هو مثله وربما للوقوف أقرب، مثبته عليه بمثل حزام الأمان في السيارة، شاهدتها وأنا أهم بالخروج من بوابة المجمع، البنت حركتها غير منتظمة وتعاني من تخلف أيضاً، صديقة الأم لمحتها أتت إليها سلمت على الأم، أمسكت وجه بنتها طبعت قبله على خديها وجبينها مسحت على شعرها، إنه احترام البشر..

هذا ما أحببت أن أحكيه لكم… فماذا لديكم لتحكوه لي؟..

سجل أعجابك

Share

انضم إلى المحادثة

4 تعليقات

  1. أقول ماشاء الله.. ودي اعرف مصدر الطاقة اللي تجيك في رمضان وتخليك تكتب كل يوم

  2. موضوع جميل يتطرق الى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لايزالون ينتظرون منا المزيد من الاهتمام والرعاية ومعاملتهم بإنسانية .

    جزاك الله خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.