الراحلون..


لا شيء أبشع من الفراق، فالرحيل مزعج، خصوصاً وأنت تعرف أن لا عودة بعده، وليس أبشع من الفراق إلا الشوق للراحلين، والحنين للقياهم، وتخيل أطيافهم في كل مكان، فهذا هو الفراق، وهذه هي آلامه، وأنت إما أن تصبر على الحنين، وتبقى على ألم الذكريات، أو أن تتعدى حدود الصبر وتنسى.

كم من شخص تعلقت روحنا به رحل بصمت، رحل ونحن لا نعرف توقيت هذا الرحيل، أو أسباب الرحيل، أو غير ذلك، نعرف فقط أنها منذ دقائق كان ينير حياتنا بابتساماته، أو يسعد أوقاتنا بتقبله لما نقول، نضحك ويبادلنا بابتسامة، نحزن ويشعرنا أنه معنا يدعم وجودنا، واليوم لم يعد هنا، لم يبقى سوى طيفه وشيء من ذكرياته.

عندما يغيب الموت أحدهم تعلم إلى أين سيذهب، وتعرف أنه لن يعود، وتتأكد أنه الآن بحاجة إلى دعائك، بحاجة إلى بعض من الأعمال الصالحة التي حرم منها، بحاجة إلى أن تسامحه على أخطائه، وفعلاً لا تملك إلا مسامحته، لا تملك إلا أن تتذكره بالأمور الطيبة، وبالرغم من أنه أساء إليك كثيراً إلا أنك تدعو له وتسامحه، وتتصدق عنه، لأنك فقط تعرف أنه الآن عاجز ولا يستطيع على القيام بأي شيء، ولا يمتلك من الدنيا قيد أنملة.

أما عندما تغيب الحياة أحدهم، ويرحل بصمت فلا يريد أن تبقى على ذكراه، ولا يريد أن يتعامل معك، فربما تشتاق إليه وتكابر، ومهما كانت الأعذار موجودة، إلا أنك لا تستطيع أن تسامحه على الرحيل، ويكون مقدار الزعل بحجب العلاقة بينكما، هو يمارس حياته الطبيعية، وأنت تراه يقوم بذلك، ولكن لا تريد أن تتحدث معه أو حتى تغفر له ذنبه، ربما تشنع به في كل مكان، فحجم الجرح بحجم عبارات الاهانة التي سيتلقاها، وربما ستتذكره بالحسنى وتنسى كل أخطائه، ولكن لا تريد أن تعود إليه، ولا ترغب في أن يعود هو إليك.

الرحيل للآخرة، أو الرحيل لدنيا أخرى، يتشابه الرحيل ويختلف المقصود، فالأول تسامحه وتغفر زلته، والآخر تمقته وتزدريه وتكيل له، شتان بين الرحيل، وشتان بين الأنفس، وشتان بين الحياتين، فبالرغم من عظم الرحيل، إلا أن التصرف بينهما يختلف، فأنت في كلا الرحيلين واحد، ولكن لم تستطع أن تطهر قلبك في رحيل الدنيا مثل ما طهرته في رحيل الآخرة، والسبب ضعف الراحل للآخرة وأنه يحتاجك أكثر مما تحتاجه، وقوة الراحل للدنيا وأنت تحتاجه أكثر مما يحتاجك.

همسة
وأقوى الرحيل.. رحيل من تحب.. سنتألم كثيراً وبعدها سننسى

سجل أعجابك

Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.