العمل والسفر وجهان لعملة واحدة

العمل يكشف حقيقة الرجال
سابقاً قبل أن تكون هناك حضارة، وقبل أن تكون هناك أعمال مكتبية تقيد حركة البشر، وكان العمل على مستوى حرف بسيطة، يمارسها شخص واحد، وربما يساعده ما لا يزيد عن شخصين يأخذون أجرتهم بشكل يومي، بدون أن يكون هناك تعقيدات الأعمال الآن، كان يقال لا تعرف الرجل حتى تسافر معه، وفعلاً أثبتت هذه المقولة صحتها على مر السنين.

لم يكن يتضح معدن الشخص إلا بالسفر، فمن السفر يعرف درجة تحمله، ودرجة وفائه، ومدى تعاونه مع زملائه المسافرين معه، وقدرته على تحمل بعض المضايقات التي تحدث له من المسافرين معه، وصبره على الشدائد في السفر، والإيثار الحقيقي للزملاء على النفس، وكثيراً ما كنا نسافر مع أشخاص نعود بعد السفر ونحن نقسم أيماناً بأننا لن نسافر معهم مره أخرى.

واليوم بعد أن تغير وضع الحياة، وتوسع حجم المهن، وتحولنا إلى عصر الوظيفة، وعلاقة المنظومات الإدارية ببعضها، وتعقيدات الهرم الإداري من مدير عام ورئيس قسم وموظف، وتعقدت الحياة بشكل أكبر، وأصبح يحكمنا في العمل رابط المصلحة فقط لا غير، وربما يضحي الموظف بقليل من الصدق والأمانة ليكسب من هو أعلى منه، وأحياناً يدوس المدير على من هو أقل منه أو من يماثله في المستوى الإداري ليكسب المسؤول الأعلى سواءً كان وزير أو مدير تنفيذي أو رئيس مجلس إدارة أو غير ذلك، وأحياناً يتلون بصورة تناقضه تماماً ليحقق مكاسب وقتيه.

في اعتقادي أن العمل بات مثل السفر، يكشف عن كثير من الأمور في شخصية الفرد سواءً كان موظف أو مدير، ويبين أمور في شخصيته لا يستطيع أحد فهمها إلا بالسفر، مع فارق كبير، وهو أن الفرد ينكشف في أول سفرة، بينما في العمل تحتاج فترة لتعرف حقيقة الشخص، نظراً لكثرة ارتداء الأقنعة، وتغير الوجه الذي يستخدمه الموظف مع المدير، ووجه ثاني مع الزميل، وثالث مع من يقع تحت إدارته.

العمل يكشف لك صدق وأمانة الشخص، ويكشف لك الوجه الحقيقي له، وهل هو ألعبان يبدل الأوجه بين كل فترة وأخرى، أم أنه صادق وملتزم يؤدي الأمانة كما أوتمن عليها، وهل يحب النجاح لوحده؟، وبالتالي يحاول منع المعلومة عن أي موظف آخر، أو عكس ذلك يشارك المعلومة مع كل من حوله لينجح بالتعاون بين الجميع.

العمل يكشف مقدار ثقة الفرد بنفسه، ومدى التأقلم مع محيطه، وكيف يعالج المشاكل، أو كيف يصنعها ليفسد على غيره، العمل هو القدرة على التكيف مع الآخر ومشاركته الحياة.

إن كان السفر هو المحك الرئيسي في قرون خلت لمعرفة الرجال، فالعمل هو المحك الرئيسي في هذا الزمن لمعرف الرجال، الفرق الوحيد بينهما أن السفر كاشف فوري لحقيقة الرجل، بينما تحتاج لوقت في العمل لمعرفة الطرف المقابل جيداً، ولكن النتيجة واحدة وربما تكون في العمل أقوى من السفر.

قارئ واحد معجب بالتدوينة.

Share

انضم إلى المحادثة

تعليقين

  1. أستاذي ابو سطام..تحيه…مقال أو مدونه رائعه جداً،وفكرة المقارنة بين السفر والعمل ودورهما في تحليل شخصية رفيق السفر أو زميل العمل رائدة وجميلة،
    كلماتك تترجم شخصيتك كرائد ومحب للعطاء والعمل الجماعي.
    حفظك المولى ونفع بعلمك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.