الصحافة والسياسة.. واللعب باحتراف

وكم بدلت الإنترنت من حاضر
من يعتقد أن السياسة لعبة سهلة، فقد جانبه الصواب كثيراً، فالسياسة فن ومهاره وحكمة وحنكة، وهدوء في القول والقرار، هي لعبة لا يجيدها الكثيرون، وتلعب بفن يحتاج لمراوغة، ومباغتة، وهجمة مرتدة أحياناً كثيرة، وهذه اللعبة درجة الامتاع في ممارستها عالية جداً، تغري اللاعب حتى لا يستطيع التوقف عن ممارستها، ويعود لها كلما تعثر.

ومن يعتقد أن الصحافة هي الأخرى لعبة سهلة، فقد جانبه الصواب أيضاً، فالصحافة لعبة تحتاج أن تعرف متى تخوضها، ومتى تترجل منها جانباً، ومتى تتركها لغيرك، لعبة تختلف فيها المرحلة باختلاف الرجال، وتحتاج للمراوغة حتى لا تتجاوز الخطوط الحمراء، تماماً كاللعب على خط التماس، تحافظ على موقفك، وتصل رسالتك بدون اسفاف أو تسفيه، وبدون جرح أو تجريح.

وكلاهما السياسة والصحافة، إذا أجتمع فنهما في انسان، فقد حاز الحاضر والمستقبل، وإذا تحقق التوافق بين السياسي والصحفي وصل نموذج الأفكار إلى المجتمع وتوحدت الأطياف تحت رؤية واحدة، كلاهما توأمان متطابقان في الحركة، متماثلان في الشكل، ومتى ما وصل التوأمان إلى درجة التطابق التام، متى ما زادت حلاوة اللعبة.

المرحلة التي نمر بها تحتاج إلى إعادة صياغة للعناوين العريضة، وإعادة فرز لصور المشهد، حتى لا تسير البواخر بغير ربانها، تقلبها الرياح كيفما اتفق، ويهتز المشهد وسط الأمواج العاتية لتغلبها أو تغرقها، فالتغيير هنا يكون مطلب ملح، لا يجيد قراءة سطوره إلا المحترفين.

السياسي المحنك لا يستغني عن من يساهم معه في ايصال أفكاره إلى شريحة كبيرة من المجتمع، والصحافي المبدع لا يستطيع مقاومة أن يساهم قلمه في كتابة سطور الرواية السياسية، ويرسم بفرشاة الإعلام ملامح التغيير، ليكون جزء من الحاضر وصانع للمستقبل.

السياسة والصحافة وجهان لعملة واحدة، اجتماعهما يعني السيطرة على الملعب، فإما أن يكون الاجتماع ابداعياً يحقق الهدف، وإما أن يكون كارثياً تنتهي معه أحلام السياسي وآمال الصحفي، فذكاء سياسة الصحفي، ودهاء صحافة السياسي يعني أن لعبة الخصم شارفت على النهاية.

لاحظوا كيف تلعب ايران هذه اللعبة، وكيف تنوع خططها السياسية بين صحافة ورقية، وإعلام مسموع، وقنوات فضائية، وشبكات اجتماعية، وبلاعبين محترفين أجانب من ذات فصيلة الخصم، وبذات لغتهم، يعرفون كيف يصلون إلى المجتمع، فهم أبنائه.

أيضاً تركيا، لعبتها كانت أكثر نضوجاً، استطاعت توظيف الإعلام الجديد لتصل لداخل المجتمعات الإسلامية، وتروج للسياستها باللغة التي يعشقها المجتمع، حتى كسبت القلوب، لينتصر السياسي بذكاء الإعلام.

الصحافة والسياسة بالرغم من متعتهما العالية، إلا أن خطورة اللعب فيهما تحتاج لمحترف يجيد اللعب بالخطط الحديثة، ويتقن فنون التقنيات كلما تغيرت، ويكون قادراً على إعادة ترتيب المشهد مع كل تغيير في طريقة اللعب.

سجل أعجابك

Share

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.